العلاج بالموسيقى في الطب العربي

 

الدكتور

عبد الناصر كعدان

Abdul Nasser Kaadan, MD, PhD

رئيس قسم تاريخ الطب

معهد التراث العلمي العربي

جامعة حلب – حلب، سوريا

 

الصيدلانية

ميس قطـايــة

Mays Katayah

دراسات في الموسيقا  العربية

طالبة في مرحلة الدبلوم

 


 

 

 

فهرس المحتويات

العنوان

الصفحة

-        مقدمة

-         ماذا تعني الموسيقى؟!

-         من هو واضع هذا الفن العظيم؟!

-         الهنود والإغريق والرومان

-         العرب والموسيقى

-        العلاج بالموسيقى قديماً

-        الموسيقا والطب النفسي

-        احتياجات الشخصيات للموسيقى بحسب طبائعها

-         كيف تعمل الموسيقا؟!

-        التفسير العلمي للعلاج

-         الموسيقى تبني الإنسان

-        الموسيقى والطب العربي الإسلامي

-        مستشفى الممسوسين

-        الموسيقى والممسوسين

-        الموسيقى والمعالجة الطبية عامة

-        أطباء الإسلام الذين جمعوا بين الطب والموسيقى

-        الموسيقا وما أثبتـته الاختبارات حديثاً

-        من عجائب تأثير الموسيقى

-         الموسيقا وتأثيرها على الإنتاج

-        خاتمة

-        المراجع والحواشي والتعليقات

2

2

3

4

5

5

7

7

9

9

10

11

12

13

14

18

19

21

22

23

24

مقدمـة :

        لا شك أن الموسيقى هي أقدر الفنون على خدمة الإنسان، وهي أرقى أنواع منشطات الحياة والصحة النفسية والعضوية، فالصحة النفسية والعضوية هي تناسق الشيء مع كل شيء الخلية مع الخلايا، والروح مع الأرواح، والإنسان مع الكون، كما تتناسق النغمة مع النغمات، والآلة مع الآلات .

        إن قضايا الموسيقى تستمد أهميتها من أهمية الموسيقى ذاتها، كفن يعتبره أفلاطون أرفع الفنون وأرقاها، لأن الإيقاع والتوافق في يقينه يؤثران في النفس الباطنة، والحياة الانفعالية للإنسان ، بما ينعكس أثره على أعضاء الجسم وأجهزته.

        وإذا عادت بنا عجلة التاريخ إلى الوراء، فيجب أن نذكر ولا ننسى أبداً -  الطبيب الحاذق والفنان البارع، المصري القديم " أمحتب"  الذي كان أول من استخدم الموسيقى في العلاج والذي انشأ أول معهد طبي في التاريخ للعلاج بالذبذبات الموسيقية .

        لقد أثبت العلم الحديث أن ذبذبات الموسيقى تؤثر تأثيراً مباشراً على الجهاز العصبي، إذ  يمكن لكل ذبذبة أو أكثر أن تؤثر على جزء ما بالمخ ، خاص بعصب ما ، فتخدره بالقدر الذي يتيح له فرصة الاسترخاء، واستجماع الإرادة، للتغلب على مسببات الألم ، فيبدأ الجسم في تنشيط المضادات الطبيعية والإفرازات الداخلية التي تساعد الجهاز المناعي وغيره على التغلب على مصدر الداء ومكانه .

 

ماذا تعني الموسيقى ؟ ! 

        هذه الصناعة هي تلحين الأشعار الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة يوقع على كل صوت منها توقيعاً عند قطعه فيكون نغمة، ثم تؤلف تلك النغمة بعضها إلى بعض على نسب متعارفة فيلذ سماعها لأجل ذلك التناسب. وما يحدث عنه من الكيفية في تلك الأصوات، وذلك أنه تبين في علم الموسيقى أن الأصوات تتناسب فيكون صوت نصف صوت وربع آخر وخمس آخر وجزء من أحد عشر من آخر. واختلاف في هذه النسب عند تأديتها إلى السمع يخرجها من البساطة إلى التركيب ، وليس كل تركيب منها ملذوذاً عند السماع بل تراكيب خاصة هي التي حصرها أهل علم الموسيقى وتكلموا عليها [1] .

ويعني علم النغم ما موضوعه الصوت من حيث تركيبه مستلذاً مناسباً ونسب الإيقاع على الآلات المخصوصة مثل الأرغر ، يعني ذات الشعب .

وهذا العلم خمسة أصناف :

-         الأول : معرفة النقرات وكيفية تآلف الأصوات منها ، وهي كالأسباب والأوتاد في علم العروض .

-         الثاني : علم الإيقاع ، وهو تنـزيل الأصوات والنغمات على الآلات وطرق الضرب .

-    الثالث : علم النسبة ، وهو معرفة أن البم مثلاً إذا كان ستين طاقاً يكون المثنى ثمانية وأربعين وأن السدس للثلث في الشد الأعظم على دستام الوسطى والسبابة وأن الرست مثلاً ينفع من الماليخوليا الكائنة عن البلغم إلى غير ذلك .

-         الرابع : علم تفكيك الدائرة وبيان ما بين المقلمات من النسب ، مثل الركبى والرمل .

-    الخامس : علم التلحين ، وهو رد الموشحات والأشعار الرقيقة إلى نغمة مخصوصة بطريق مخصوص والقاعدة فيه راجعة إلى العروض في الحقيقة  [2].

 

من هو واضع هذا الفن العظيم ؟ !

        اتفق الجمهور على أن واضع هذا الفن أولاً هو فيثاغورس [3] من تلامذة سليمان عليه السلام   وكان قد رأى في المنام ثلاثة أيام متوالية أن شخصاً يقول له قم واذهب إلى ساحل البحر الفلاني ، وحصّل هناك علماً غريباً. فذهب من غد كل ليلة من الليالي إليه فلم ير أحداً فيه ، وعلم أنها رؤيا ليست مما يؤخذ جداً فانعكس، وكان هناك جمع من الحدادين يضربون المطارق على التناسب فتأمل ثم رجع وقصد أنواع مناسبات بين الأصوات، ولما حصل له ما قصده بتفكر كثير وفيض إلهامي  ، صنع آلة وشد عليها إبرسيماً وأنشد شعراً في التوحيد وترغيب الخلق في أمور الآخرة فأعرض بذلك كثير من الخلائق عن الدنيا، وصارت تلك الآلة معززة بين الحكماء .

        وبعد مدة قليلة صار حكيماً محققاً بالغاً في الرياضة بصفاء جوهره، واصلاً إلى مأوى الأرواح وسعة السموات .

        وكان يقول : " إني أسمع نغمات شهية وألحان بهية من الحركات الفلكية وتمكنت تلك النغمات في خيالي وضميري ". فوضع قواعد هذا العلم ، وأضاف بعده الحكماء مخترعا تهم إلى ما وضعه إلى أن انتهت النوبة إلى أرسطاطاليس ، فتفكر أر سطو فوضع الارغنون وهو  آلة لليونانيين تعمل من ثلاثة زقاق كبار من جلود الجواميس يضم بعضها إلى بعض ، ويركب على رأس الزق الأوسط زق كبير آخر، ثم يركب على هذه الزقاق أنابيب لها ثقب على نسب معلومة تخرج منها أصوات طيبة مطربة على حسب استعمال المستعمل .

        وكان غرضهم من استخراج قواعد هذا الفن تأنيس الأرواح والنفوس الناطقة إلى عالم القدس ، لا مجرد اللهو والطرب ، فإن النفس قد يظهر فيها باستماع واسطة حُسن التأليف وتناسب النغمات بسط ، فتذكر مصاحبة النفوس العالية ومجاورة العالم العلوي ، وتسمع هذا النداء وهو : ( ارجعي أيتها النفس الغريقة في الأجسام المدلهمة في فجور الطبع إلى العقول الروحانية والذخائر النورانية والأماكن الفلسية في مقعد صدق عند مليك مقتدر )  [4].

 

الهنود والإغريق والرومان :

        يؤكد حكيم الهند القديم كونفوشيوس على مدى أهمية الموسيقى فيقول :

" إذا أرت أن تتعرف في بلد ما على إرادته ومبلغ حظه من الحضارة والمدنية، فاستمع إلى موسيقاه" .

        وما نعرفه اليوم عن علم الموسيقى يعود بنا إلى  أيام الإغريق في أرض اليونان القديمة ، عندما نصبوا للألحان والغناء إلهاً اسمه (أزوريس) كعهدهم في تنصيب آلهتهم في كل أمر من أمور حياتهم ، وأزوريس الإله هذا كانت له فرقة من سبع بنات أطلقوا عليهن اسم الآلهات السبع للفنون الجميلة ، وسموا كل واحدة منهن باسم (ميوز) . ومن هنا جاءت كلمة (ميوزيك) التي شاعت وتسللت لكل لغة لتغني اللحن والنغم بينه وبين الموسيقى لما بين الفنين من ترابط.

وهبت على نظرية " تأثير الموسيقى " نسمة منعشة من الحياة باتصاله بآراء الإغريق عن التأثير .

ويقول إخوان الصفا عن مذهب " موسيقى الأفلاك " : " تبين إذاً أن لحركات الأفلاك والكواكب نغمات وألحاناً " ووجدت في هذا المذهب " العلة الأولى" للموسيقى جميعها في عالم الكون والفساد وظنوا أن أمزجة الأبدان كثيرة الفنون، وطباع الحيوانات كثيرة الأنواع ولكل مزاج  ولكل طبيعة، نغمة تشاكلها ولحن يلائمها . ولذلك استعملت الموسيقى في المستشفيات لأنها تخفف ألم الأسقام والأمراض عن المريض [5] .

 العرب والموسيقى :

        ومن حياة العرب اليومية ، تؤكد بعض الروايات التي وردت في (الأغاني ، إحياء علوم الدين ، العقد الفريد ) تؤكد على أن الجمل يغير خطواته بحسب تغيير الإيقاع والوزن، والغزال يسهل قيادته بالألحان ، والحيات تنسحر، والنمل يرتمي في النار ، وبعض الطيور تهوى ميتة على صوت الموسيقى ، وان أناساً تأثروا بالصوت الحسن تأثراً شديداً .

        والروايات القديمة تحكي لنا الكثير عن هذا الموضوع  . نقول إحداها :

" إن الطير والوحش كانت تصغي إلى صوت النبي داود ، والسبعين نغمة التي كانت تصدرها حنجرته ، وكان من يسمعه يغمى عليه من الطرب " .

ولقد لعبت الموسيقى دوراً هاماً في أسرار العرافين والسحرة ، والأنبياء العرب مثلهم في ذلك مثل جميع الساميين .

ومن الواضح أنهم كانوا يستدعون الجن بالموسيقى ، ومن بقايا هذه المعتقدات تمسكهم فيما بعد بأن الجن يوحون بالأشعار للشعراء ، وبالألحان للموسيقيين . ويعطينا القرآن بعض التصورات الهامة المتعلقة بالموسيقى والسحر ، وقد أكد فقه اللغة الصلة الوثيقة بينهما .

فالعربية تطلق على صوت الجن " العَزْف " وهو اسم آلة موسيقية خاصة أيضاً وحين يشبه اليهود "روح القدس " بأصوات القيثارة ، كما نرى في أناشيد سليمان يبدو أنهم استقلوا هذا الرمز البارز من الثقافات البدائية [6] .

العلاج بالموسيقى قديماً :

لقد قسم (إخوان الصفا)  [7] الألحان إلى :  " ألحان روحية مؤثرة ، مثل تجويد القرآن والأناشيد الدينية ، وألحان حربية وحماسية ، وألحان جنائزية ، وألحان داعية للعمل ، مثل أغاني صيادي الأسماك ، والحمالين، والبنائين ، أو ألحان المناسبات مثل الأفراح وغيرها، وهناك الألحان الحدائية التي تستعمل في توجيه الحيوانات ، مثل غناء الحداء في قافلة الجمال " .

وفي موقع آخر يقول (إخوان الصفا) : " …  أمزجة الأبدان كثيرة الفنون ، وطباع الحيوانات كثيرة الأنواع، ولكل مزاج ، ولكل طبيعة نغمة تشاكلها ، ولحن يلائمها ، كل ذلك بحسب تغييرات أمزجة الأخلاق واختلاف طباع وتركيب الأبدان في الأماكن والأزمان … ولذلك فإنهم – والكلام لإخوان الصفا – استخرجوا لحناً يستعملونه في المارستانات وقت الأسحار يخفف من ألم الأسقام عن الأمراض ، ويكسر سورتها ، ويشفي كثيراً من الأمراض والأعلال " .

والشيخ الرئيس ( ابن سينا ) يوضح أن بعض النغمات يجب أن تخصص لفترات معينة من النهار والليل . ويقول : " من الضروري أن يعزف الموسيقار في الصبح الكاذب نغمة  راهوى  وفي الصبح الصادق حُسينى ، وفي الشروق راست ، وفي الضحى بوسليك ، وفي نصف النهار زَنكولا ، وفي الظهر عُشّاق ، وبين الصلاتين حِجاز ، وفي العصر عِراق ، وفي الغروب أصفهان ، وفي المغرب نَوى ، وفي العشاء بُزُرك ، وعند النوم مخالف ( = زِيرَ افْكنْد )  " .

ويعني تلميذه الحسين بن زيلة عناية كبيرة بهذا الوجه التأثيري من المسألة .

كما يقول صفي الدين عبد المؤمن : " إعلم أن كل شد من الشدود فإن لها تأثيراً في النفس ملذاً ، إلا أنها مختلفة . فمنها ما يؤثر قوة وشجاعة وبسطاً ، وهي ثلاثة : عشاق و بوسليك  ونوى … وأما راست ، ونوروز وعراق وأصفهان ، فإنها تبسط النفس بسطاً لذيذاً لطيفاً . وأما بزرك وراهوى وزيرافكند وزنكولة وحسينى ، فإنها تؤثر نوع حزن وفتور " [8] .

وهذا ما كان يرمي إليه ابن سينا من خلال تقسيمه الزمني  لاستعمال النغمات الموسيقية ، لأن الإنسان يمر بحالات نفسية مختلفة . بل ومتناقضة أحياناً في اليوم الواحد تبعاً لظروف حياته ونمط معيشته من الاستيقاظ حتى النوم . كما نقرأ في العقد الفريد عن علاقة الموسيقى بالطب قول ابن عبد ربه : " زعم أهل الطب أن الصوت الحسن يسري في الجسم ويجري في العروق ، فيصفو الدم ويرتاح له القلب ، وتهش له النفس ، وتهتز الجوارح وتخف الحركات " .

 

 

الموسيقى والطب النفسي :

إن شخصية الإنسان وسماتها والمؤثرات التي تشكلها لها تركيباتها العصابية والنفسية والسيكوباتية ونماذج الشخصيات التي تتفرع منها ، كالشخصية العاجزة الواهنة ، والشخصية العصابية الأنطوائية ، والشخصية الدورية ، والشخصية غير المتزنة انفعالياً ، والشخصية البارانوية ، والشخصية السلبية العدوانية ، والشخصية النفاسية الفردية والهيستريائية والشخصية السيكوباتية .

وهناك أهمية للصوت والغناء و الموسيقى في بناء روح الإنسان منذ الطفولة عبر الحوار المفهوم وغير المفهوم ، بالمشاهر بين الطفل ووالدته مؤكداً أن الخيط الرفيع الذي يربط الطفل بالأم يتجلى بالموسيقى الموجودة في صوت الأم .

ولذلك فالأطفال الذين يترعرعون في أحضان المربيات ، ويدخلون إلى دور الحضانة باكراً جداً قبل البلوغ إلى حد الإشباع من حنان الأم ، و الموسيقى الموجودة في حواراتها ونبرات صوتها يتعرضون للإصابة بأمراض نفسية في المستقبل ، وكذلك بالنسبة للمراهق الذي يحاول البحث عن نفسه من خلال حوارات مفتوحة مع ذويه وأصدقائه ، مما يجعله بحاجة إلى الموسيقى الداخلية من جهة أحلام اليقظة ، والى الموسيقى الموجودة في حوارات الإنسانية من جهة ثانية ، وهنا تظهرحاجة المراهق إلى الموسيقى وحسب تكوين شخصيته يتحدد نوعها .

 

احتياجات الشخصيات للموسيقا بحسب طبائعها …

        إن الشخصيات العصابية بحاجة أكثر للموسيقى من الشخصيات النفاسية ، فالشخص العصابي قلق وكئيب ومضطرب وموسوس ، ولذلك فهو بحاجة إلى الموسيقى كوسيلة لتخفيف قلقه والتخلص من خوفه ومسح حزنه عن طريق الدخول إلى عالم البكاء .

        أما الشخصيات النفاسية فهي تحتاج في بعض الأحيان إلى الموسيقى الهادئة جداً والكلاسيكية، لكي تستطيع التعايش مع الموسيقى الداخلية النابعة من الحوار الذاتي والتفكير الإنطوائي .

       

والمريض الكئيب الإرتكاسي يفضل دوماً الموسيقى الحزينة للتخلص من العذاب الروحي عبر التفكير بالانتحار .

والكلام عن المريض لايمنعنا من التفكير بالإنسان السوي ، فعلم النفس يقول بصراحة : إن الإنسان اليوم وأكثر من الأمس القريب بحاجة إلى الموسيقى على أن تكون مدروسة ، تمر من قنوات رقابية اختصاصية لكي لاتحول الموسيقى الإنسان المعاصر إلى وحش  مفترس بلباس الحضارة الاستهلاكية المصطنعة .

        فعن طريق الموسيقى يشعر الإنسان بوجوده ، حيث يمكن اعتبار الموسيقى طريقاً إلى الحوار مع الذات وإعطاء قيمه من خلال  " الأنا " إلى " الأنا الأعلى " ، ومن ثم إلى عالم العقل الباطن "اللاوعي " ، "الهوى" . فالكلام يمكن تسجيله في الذاكرة ، بينما الموسيقى تخترق حاجز الذاكرة الفردية لتصل إلى مناطق تسجيله في الذاكرة الجماعية .

        إن الإنسان البدائي ما زال موجوداً في العقل الباطن ، وفي اللاوعي الجماعي ، وما زال يعيش بوحشيته . هذه الوحشية ما زالت قابعة في داخلنا ، ويمكن عن طريق الموسيقى التخفيف منها وتحويلها إلى طاقة إبداعية مفيدة .

        ولا ننسى أن للموسيقى أيضاً تأثيراً مغايراً ، فيمكن أن تقلق الإنسان وتنقله إلى عالم الاضطرابات  السلوكية ، ويمكن أن تشعل فيه قنديل النشوة والكآبة الإبداعية ويتحول نور القنديل إلى إنتاج إبداعي يحرك فينا كل المشاعر الإنسانية .

        إن المدارس النفسية تتحدث اليوم عن توظيف الموسيقى في عملية تثقيف السيكوباتي ، وذلك لتخفيف العدوانية الداخلية وتحويلها إلى طاقة خلاقة في مجالات مختلفة ، مثل : الرياضة والسباحة وتسلق الجبال والدخول في حياة المغامرات الهادفة لخير البشرية .

        كما أن للموسيقى عاملاً من عوامل تخلخل الخجل والانطواء وتخفيف الانفعالات والرفع من قدرة الإنسان الواهن وزيادة طاقته .

 

 كيف تعمل الموسيقى ؟ ‍!

        سؤال بدأ الفيزيولوجيون الآن بالإجابة عليه ، أو بالأحرى العمل على إجابته . التأثيرات الفيزيولوجية والفيزيائية التي نحصل عليها من مجموعة التغيرات الكيميائية في الدماغ ليس فقط في قسم التفكير ، بل في الجهة المسؤولة عن التنفس والعاطفة والإحساس ، والقسم المسؤول عن السيطرة على دقات القلب .

        هناك نظرية تقول : أن الموسيقى تجعل الدماغ ينتج مواد كيميائية تسمى Endrophines   تفرز من الجهاز البصري في الدماغ Hypothalamus    . وهذه تخفض الكثافة في الدماغ التي تشعر بالألم ، وهناك شيء واحد يجمع عليه كل المعالجين ، هو أن المجال يحتاج إلى دراسات وأبحاث كثيرة. أما الحقيقة التي أعلنها فريق من علماء جامعة" أوهايو الأمريكية " هي أن العدائين يبذلون جهداً أقل أثناء العدو إذا مارسوا تلك الرياضة على أنغام الموسيقى… تجربة هامة أكدت هذه الحقيقة، حيث وضع العلماء "سماعات" تنقل الموسيقى لآذان عدد من أجريت عليهم التجارب، بينما مارس البعض الآخر الرياضة بدون موسيقا.

وكانت النتائج واضحة، وتشير إلى أن الغدد النخامية للعدائين أثناء سماع الموسيقى، كانت تفرز كمية أكبر من مادة اسمها "الاندورفين" Endorphine. وهي مادة تفرزها مراكز معينة في المخ عند بذل جهد كبير، أو الشعور بألم، الأمر الذي يشير إلى أن إحساسهم بالتعب أثناء الجري، كان أقل من الفريق الثاني الذي لم يستمع إلى الموسيقى أثناء ممارسته للجري، بل أكثر من هذا فقد أكد فريق من المزارعين أن إنتاج أبقارهم من الحليب، يزيد بشكل واضح، إذا تمت عملية الحلب على أنغام الموسيقى !!

- التفسير العلمي للعلاج :

لقد أحرز العلاج بالموسيقا نجاحاً باهراً، لم يكن في الإمكان تحقيقه بإستعمال الأدوية الأخرى، التي تستعمل في مثل هذه الحالات.

وكانت أولى النتائج التي حققتها التجارب التي أجراها الباحثون على الإنسان لاكتشاف فعالية الموسيقى وأثرها في تنشيط إفراز مجموعة من المواد الطبيعية، التي تتشابه في تركيببها مع المورفين، وهي ماتسمى بالاندورفينات.

ويعتقد هؤلاء الباحثون وهم أشهر العلماء في الولايات المتحدة، أنهم أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق وتعميم هذا الاكتشاف الخطير، الذي سيحدث تغييراً جذرياً في الآراء المعروفة عن "كيمياء الألم" بفضل الاندورفينات التي هي أحد أنواع البيتبيد Peptid، أي الهرمونات التي تفرزها الغدة النخامية، وأبرز مراكز تجمعها في اللوزتين، وفي الجهاز اللمفاوي، حيث يحتويان على مجموعة كبيرة من الخلايا التي تفرز الاندورفينات.

ولم يعد شك في أن الألم والمتعة والانفعال، وكثيراً من الأمراض لها اتصال بعمل الأندورفينات، التي اكتشفت عام 1972، والتي اتضح أن الموسيقى تساعد مساعدة جبارة على زيادة إفرازها، وبالتالي على علاج الجسم وشفائه من الأمراض.

وبصفة عامة فإن التجارب أثبتت حتى الآن أن زيادة تلك المواد لاتمثل أية خطورة على المريض، فضلاً عما لتلك الأندورفينات من ميزة يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وهي أنها وبمقارنة مع الأدوية الأخرى، عبارة عن مادة طبيعية يفرزها الجسم، ومن المأمول ألا تكون لها أية آثار جانبية، كما هو الحال بالنسبة للأدوية الأخرى التي يتعاطاها المريض.

إذاً فالعلاج بالموسيقا علاج يسير، رخيص، سهل، ليس له أي مضاعفات على الإطلاق يمارس في كل زمان وكل مكان، سواء كانت الشمس ساطعة مشرقة أم المطر ساقطاً، صيفاً أو شتاءً، يستخدمون أدوات وآلات موسيقية في الهواء الطلق، وعلى اختلاف أنواعها.

ومنذ أن بدأ هذا العلاج الجديد والذي سيشعل في سنوات قادمة ثورة عارمة في عالم الطب. اتضح أن الذين استخدموا هذا الأسلوب أصبحوا الآن يشعرون بأنهم في وضع صحي وحياة أفضل، لايكادون يستخدمون أي دواء وكثيراً منهم أقلع عن مادة التدخين، كل ذلك بفضل الموسيقى.

- الموسيقى تبني الإنسان :

إن الموسيقى بعموميتها تبدأ حيث تنتهي الكلمة، إنها عنصر جوهري في البناء الروحي للإنسان، توقظ فيه الشعور بالمعاني الكبيرة. المعاني السامية، كالحق، والخير، والجمال. وتحرك وجدانه وترهف شعوره وتساعد على تحقيق الوئام مع نفسه، والتوافق مع الحياة من حوله، وبالتالي فالموسيقا أقدر الفنون على خدمة الإنسان، كما أنها قادرة على خدمة قضايا السلام والديمقراطية والتقدم.

إن شوستا كوفيتش عندما يطرح مقولته الخالدة:

" يجب أن يتساءل المؤلف الموسيقى دائماً… كيف أخدم بفني قضايا البشرية والسلام والتقدم؟". يضيء الريق أمام كل مؤلف موسيقى، حتى لاينحرف أو يتعثر، لأن المؤلف الموسيقي فنان يسخر أدواته الموسيقية وصنعته الفنية للتعبير عن نفسه ومجتمعه، على أن يكون هذا التعبير تعبيراً غير مباشر.. وكلما كان التعبير غير مباشر كان أقدر على البقاء.

الموسيقى والطب العربي الإسلامي :

لايملك الباحث عن الطب العربي الإسلامي إلا أن يقف معجباً، فخوراً حيال تطوره على مر العصور، ونظرته المدركة، الشاملة إلى صحة الإنسان البدنية والنفسية معاً.

فقد بلغ من نفاذ هذا الإدراك العبقري أنه ألم بشؤون الكائن البشري جميعاً، ماجل منها ومادق، أو ماظهر وما استتر، وتجاوز ذات الكائن إلى مايحيط به من طبيعة وبشر.

وما أبلغ قول الرازي – ذلك العبقري اللألمعي – وأوعى دلالته: "ينبغي للطبيب أن لايدع مساءلة المريض عن كل مايمكن أن تتولد عنه علته من داخل وخارج، ثم يقضي بالأقوى"

ومن هنا تفتق نبوغ الأطباء العرب والمسلمين عن طرائق وأساليب بدع في العلاج ، مثلما تأتى لهم أن يفعلوا في مضمار الطب العقلي والنفسي،والطب النفسي والجسدي (النفسجي Psychosomatic Medicine ).

من ذلك استخدامهم السماع (الموسيقى والغناء) في تطبيب المصابين بضروب من الخبل أو العته. وهو موضوع جد شائك من حيث قلة الأصول والمراجع.

 

 - مستشفى الممسوسين :

        يدهشنا، بادية ومن أول الطريق، أن نقع على أن العهد بإنشاء أماكن تعنى بهذا الجانب من العاهات يرجع إلى طالعة العهد الإسلامي وأوليته:

        "… وفي هذا الوقت زمن تأسيس المستشفيات الخاصة بالمجانين، ومن إليهم في البلاد الاسلامية، منذ القرن الأول للهجرة / السابع للميلاد/، كان المجانين في أوروبا يقيدون بسلاسل الحديد، والعلاج الوحيد لهم كان الضرب عندما ترتفع أصواتهم بالصراخ" [9]

وروى أسامة بن منقذ (584هـ / 1188م) في "كتاب الاعتبار" أن الفرنجة سألوا عمه أن يوفد إليهم طبيباً. فبعث واحداً نصرانياً يدعى ثابتاً، لم يغب غير عشرة أيام.

وإذ سألوه عن سبب رجوعه وشيكاً، روى لهم، فيما روى، أن الفرنجة، وقد أنكروا طبه في علاجه امرأة أصابها نشاف – استقدموا طبيباً منهم "فقال: هذه امرأة في رأسها شيطان قد عشقها. احلقوا شعرها، فحلوقه"؛ ولكنها لم تبرأ ."فقال: الشيطان قد دخل رأسها. فأخذ الموسى، وشق صليباً وسلخ وسطه حتى ظهر عظم الرأس، وحكه بالملح فماتت من وقتها" . [10]

على أن أسامة قد ذكر، بعد هذا، حالات ظهرت من الفرنجة في علاجهابراعة.[11] " وفي خطط مصر التي وضعتها الحملة الفرنسية على مصر في سنة 1798 إلى سنة 1801، قال…. Gomara، أحد العلماء الذين استقدمهم نابليون مع الحملة: أنشىء في القاهرة، منذ خمسة قرون أو ستة، عدة بمارستانات تضم الأعلاء والمرضى والمجانين، ولم يبق منها سوى مارستان واحد هو مارستان قلاوون…[12] وقد كان في الأصل مخصصاً للمجانين، ثم جعل لقبول كل نوع من الأمراض، وصرف عليه سلاطين مصر مالاً وافراً… ويقال إن كل مريض كان له شخصان يقومان بخدمته، وكان المؤرقون من المرضى يعزلون في قاعة منفردة، يشنفون فيها آذانهم بسماع ألحان الموسيقى الشجية أو يتسلون باستماع القصص يلقيها عليهم القصاص. وكان المرضى الذين يستعيدون صحتهم يعزلون عن باقي المرضى، ويمتعون بمشاهدة الرقص. وكانت تمثل أمامهم الروايات المضحكة… قال Prisse d’avennes  : كانت قاعات المرضى تدفأ بإحراق البخور، أو تبرد بالمراوح الكبيرة الممتدة من طرف القاعة إلى الطرف الثاني، وكانت أرض القاعات تغطى بأغصان شجر الحناء أو شجر الرمان أو شجر المصطكي أو بعساليج الشجيرات العطرية… وقد كان يصرف من الوقت على بعض أجواق تأتي كل يوم إلى المارستان لتسلية المرضى بالغناء أو بالعزف على الآلات الموسيقية. ولتخفيف ألم الانتظار وطول الوقت على المرضى، كان المؤذنون في المسجد يؤذنون في السحر وفي الفجر ساعتين قبل الميعاد، حتى يخفف قلق المرضى الذين أضجرهم السهر وطول الوقت. وقد شاهد علماء الحملة الفرنسية هذه العناية بأنفسهم" [13]

الموسيقى والممسوسون :

        لا بدع ولا عجب، فإن "إخوان الصفا" (منتصف القرن الرابع للهجرة/العاشر للميلاد)، في إحدى رسائلهم: إن من الموسيقى "لحناً كانوا يستعملونه في المارستان وقت الأسحار، يخفف ألم الأسقام والأمراض عن المريض، ويكسر سورتها، ويشفي كثير من الأمراض والأعلال" [14]ويبدو أن هذا النمط في المعالجة ظل جزءاً من العلاج في البيمارستانات الإسلامية حتى العهود المتأخرة. قال محمد كرد علي: حدثني الثقة أنه اطلع على صك وقف أحد المستشفيات في حلب جاء فيه أن كل مجنون يخص بخادمين يخدمانه، فينـزعان عنه ثيابه كل صباح، ويحممانه بالماء البارد، ثم يلبسانه ثياباً نظيفة، ويحملانه على أداء الصلاة، ويسمعانه قراءة القرآن، يقرأه قارىء حسن الصوت، ثم يفسحانه في الهواء الطلق، ويسمع في الآخر الأصوات الجميلة والنغمات الموسيقية الطيبة" [15]

ويتكلم على بيمارستان آخر فيقول أنه" يروى أنه كانت توضع الرياحين ويؤتى بآلات الطرب والمغنين لتكون هذه المشاهد والأنغام من تمام العناية بالمداواة." [16] وما زاد المقيمون على البيمارستانات بهذا الصنيع إلا أنهم استفادوا من آراء أطبائنا وعلمائنا القدامى وتجاربهم. يقول الرازي (313 هـ/ 925 م) مثلاً كلامه على علاج المصاب بمرض "الماليخوليا" : "… ولاشيء أفضل له منه، ولا علاج أبلغ في رفع "الماليخوليا" من الأشغال الاضطرارية التي فيها منافع أو مخافة عظيمة تملأ النفس وتشغلها جداً، والأسفار، والنقلة .

فإني رأيت الفراغ أعظم شيء في توليده، والفكر فيما مضى كان ويكون. وينبغي أن يعالج هذا الداء بالأشغال، فإن لم يتهيأ فبالصيد والشطرنج، وشرب الشراب، والغناء، والمباراة فيه مما يجعل للنفس شغلاً عن الأفكار العميقة. لأن النفس إذا تفرغت تفكرت في الأشياء العميقة البعيدة. وإذا فكرت فيها تقدر على بلوغ عللها، حزنت واغتمت، واتهمت عقلها، فإن زاد وقوي هذا العرض كان ماليخوليا. وقد برىء غير واحد منهم بهدم وقع، أو حرق، أو خوف من سلطان. [17]ويتفق ابن سينا (428 هـ/ 1037 م) الرازي بهذا الشأن: "ويجب أن يشغل صاحب الماليخوليا بشيء كيف كان… ويشغل أيضاً بالسماع والمطربات، الآخر من الفراغ والخلوة. وكثيراً ما يغتمون بعوارض تقع لهم أو يخافون أمراً فيشتغلون به عن الفكرة ويعاقون، فإن نفس إعراضهم عن الفكرة علاج له أصيل" [18].

وكلا العالمين يشير، إلى جانب الموسيقى، باللجوء إلى الشؤون الصارف، أي ميسميه الطب اليوم: “ Divisional therapy “، أي كل ما من شأنه أن يصرف المريض عن مرضه ويشغله عنه ، وهو نحو فذ في الطب النفسي لإيكال  حتى اليوم رأس الدواء .

 

الموسيقى والمعالجة الطبية عامة :

        ولأقصر ابن سينا نصحه بالغناء والموسيقى (وقد كان القدامى يسمون هذا السماع) على المصابين بآفات عقلية أو نفسية. وإنما يوصي بهما أيضاً في تسكين الأوجاع. إذ هما يساعدان على النوم: "من مسكنات الأوجاع المشي الدقيق، الطويل الزمان لما فيه من الإرخاء… والغناء الطيب خصوصاً إذا نوم به، والتشاغل بما يفرح، مسكن قوي للوجع" . [19]

كما يدرج الموسيقى والغناء في عداد الأدوية التي يعالج بها الحميات. يقول مثلاً، في باب "حميات اليوم (أي العرضية)، في علاج الحمى الغضبة: "المعالجات هو تسكينهم (المصابين بها) وشغلهم بالمفرجات من الحكايات والسماع الطيب، واللعب، والمناظر العجيبة…" [20]

وجدير بنا أن نستذكر أن الرازي مصنفاً في الموسيقى ذكره ابن أبي أصيبعة:  [21]" كتاب في جمل الموسيقى". ولابن سينا أيضاً غير تأليف في الموسيقى.

ولم يغب عنه هذا الحس وهو يرى أن في النبض طبيعة موسيقية، وأنه ذو نسبة إيقاعية في السرعة والتواتر [22]. فهو الذي حدد لكل وقت من أوقات الليل والنهار نغمته الخاصة به.

ويورد "فارمز" أن مما بلغ الحضارة الأوربية، ترجمة ، قدرة الموسيقى على الشفاء وهو ما أتثبته ابن سينا بمقالته التي كادت تذهب مثلا في اللغة اللاتينية .

“ Inter Omni excercitia Sanitatis cantare Melius est “

أي : خير تمارين العافية الغناء. وهذا قريب من قول "إخوان الصفا" : "أمزجة الأبدان كثيرة الفنون، وطباع الحيوانات كثيرة الأنواع، ولكل مزاج، ولكل طبيعة، نغمة تشاكلها، ولحن يلائمها". [23]

وقبل هؤلاء جميعاً، قسم " الكندي" [24]الألحان أقساماً في "كتاب المصوتات الوترية من ذات الوتر الواحد إلى ذات العشرة الأوتار" [25] ("المقالة الثانية": في تأليف اللحون"). وقال: إن منها مايكون للطرب، أو إثارة الحماسة، أو يكون " للبكاء والحزن والنوح والرقاد ويسمى الشجوي" [26].

ويتناول النغمات والأوتار والإيقاعات، فيورد تأثيرها على أعضاء الجسم:

فحركات الزير، مثلاً، تورث "أفعال النفس: الفرحية ، والعزية ، الغلبية ، "وقساوة القلب والجرأة والإقدام والزهو والنخوة والتجبر والتكبر ، وهو مناسب لطبع الماخوري. ويحصل من فعل هذا الوتر (وهذا) الإيقاع: أن يكونا مقويين للمرة الصفراء محركين لها، مع اجتماع الزمان الشتوي والنومي، وسن الموسيقا أي وطباعه، وإذا قوي هذا الطبع والمزاج أذاب البلغم وقطعه ورققه واسخنه. ومما يلزم المثنى من تلك الأفعال: السرورية والطربية والفرحية والجودية والكرمية، والتعطف والرأفة والرقة… ويحصل من قوة هذا الوتر وهذين الإيقاعين: أن يكونا مقويين للدم وطباعه ومحركاته ولطافته وسجياته، ويكسران عادية السوداء ويقمعانها ويمنعان أفعالها.

ومما يلزم المثلث من تلك الأفعال: الجنية والمراسي والحزن ومايشجي، وذكر الغابر، وأشباه التضرع… ويحصل من هذا الوتر وهذا الإيقاع: أن يكونا محركين للبلغم مطلقين له زائدين في اعتداله – إن كان معتدلاً - أو معدلين له مسكنين للصفراء مانعين لتسليطها، مطفيين لحدتها.

ومما يلزم ألم من تلك الأفعال: الفرحية تارة، السرورية تارة والتحبب والزهو… ويحصل من هذا الوتر وهذه الإيقاعات: أن تكون مقوية للسوداء زائدة في حركاتها مطفية للدم، ولها من الأغاني: النوح والشكوى وذكر حنين الإلف والطير والإبل، وبكاء الرسوم والآثار والدمن…

ومن طبع البم الحلم والزكانة والرصانة، ومن طباعه أيضاً السرور تارة، والحلم تارة، مع الأفكار الرديئة والكمد وانقطاع الطبع وانخذال النفس" [27].

ثم يقول:

"وقد يلزم حركات النفس وانتقالها من حال إلى حال بخواص حركات الأوتار على حسب ماقدمناه من طبعها أو مناسباتها – مايكون ظاهراً للحس، منطبعاً في النفس. فمما يظهر بحركات الزير في أفعال النفس: الأفعال الفرحية والعزية والغلبية، وقساوة القلب والجرأة وما أشبهها، وهو مناسب لطبع الماخوري وماشاكله. ويحصل من قوة هذا الوتر وهذا الإيقاع: أن يكونا مقويين للمرار الأصفر محركين له، مسكنين للبلغم مطفيين له.

ومما يلزم المثنى من ذلك الأفعال السرورية والطربية والجودية والكرمية والتعطف والرقة ما أشبه ذلك… ويحصل من قوة هذا الوتر وهذين الإيقاعين أن تكون: مقوية للدم محركة له، مسكنة للسوداء مطفية لها.

ومما يلزم المثلث من ذلك: الأفعال الجنية والمراثي والحزن وأنواع البكاء وأشكال التضرع وما أشبه ذلك ، وهو مناسب للثقيل الممتد. ويحصل من هذا الوتر وهذا الإيقاع أن يكونا: مقويين للبلغم محركين له، مسكنين للصفراء مطفيين لها.

ومما يلزم البم من ذلك: الأفعال السرورية، تارة والترحية تارة، والحنين والمحبة وما أشبه ذلك. وهو مناسب للأفراح والأرمال والخفيف وماأشبه ذلك ويحصل من هذا الوتر وهذه الإيقاعات أن تكون : مقوية للسوداء محركة لها، مسكنة للدم مطفية له…" [28].

ويقول طاش كبري زاده (968 هـ / 1561) في "علم الموسيقى" [29]:

"… ولذلك يستعملون النغم تارة في الأفراح والحروب، وعلاج المرضى، وتارة في المآتم وبيوت العبادة".

فليس بغريب إذاً ، أن ملكاً (الحافظ العبيدي) [30] استنبط له طبيبه طبلاً، ذا نغمات خاصة تبرىء وتشفي [31].

وعند ابن جزلة(493 هـ/1100 م) في كتابه: " تقويم الأبدان" أن "الموسيقى من الأدوات النافعة في حفظ الصحة وردها؛ وتختلف بحسب اختلاف طباع الأمم " .

وقديماً وضعت هذه الصناعة لحث النفوس إلى السنن الصحيحة؛ ثم استعملها الأطباء في شفاء الأبدان المريضة. فموقع الألحان من النفوس موقع الأدوية في الأبدان المريضة.

وأفعاله في النفس ظاهرة من مشي الجمال عند الحداء ، وشرب الخيل عند الصفير، ومرح الأطفال لسماع الغناء. وهو يحدث أريحية ولذة، ويعين على طول الصلاة والدراسة. والأطباء يستعملونه في تخفيف الآلام، على مثال مايستعمله الجمالون لتخفيف الأثقال" [32].

ولايشذ ابن النفيس (687هـ / 1288 م) عن زملائه. ففي مخطوطة [33]"كتاب الموجز في الطب"، يقول في الفصل الثالث: "في الأمراض المختصة بعضو عضو" (أي عضواً): "العشق وهو يعتري العزاب والبطالين والرعاع… ويعرف معشوقه بوضع اليد على نبضه وذكر أسماء وصفات. فأيها اختلف عنده النبض، وتغير لون الوجه، يعرف أنه هو. والعلاج… من المسليات: الصيد والاشتغال بالعلوم العقلية والمحاكمات [34]… واللعب، والسماعات المقصود بها اللعب كالتي بالخيال وأما التي يذكر فيها الهجر والنوى، فكثيراً مايهلك عشقاً "

ويجمع داود الإنطاكي (1008هـ/1600 م) في تذكرته تفاريق أقوال الأطباء في هذا المجال. يورد، مثلاً، في كلامه على الهمك ".. ومما يعين على ذلك (سلو الهم…) النظر في الحساب والتصاوير والهندسة، وإن ضاق نطاق التفكير عن ذلك، فسماع الأصوات، والآلات الحسنة، إذ لاعلاج لمن استغرق غيرهما… فهذا تلخيص التقطناه من مفرق كرمهم إذ لم نظفر بمن جمع هذا الباب" [35].

وكذلك أشار الأنطاكي إلى استخدام الموسيقى في علاج الجنون والحميات الحارة ، [36]وفي الاختلاج والارتعاش. ويعين هنا نغمةً خاصة على العود (المنشاري) [37].

وهذا يذكر بما نسبوه إلى الكندي. فقد روى القفطي أنه كان في جوار هذا الطبيب الفيلسوف " رجل من كبار التجار، موسع عليه في تجارته. وكان له ابن قد كفاه أمر بيعه وشرائه، وضبط دخله وخرجه، وكان ذلك التاجر كثير الإزراء على الكندي، والطعن عليه، مدمناً لتفكيره والإغراء به. فعرض لابنه سكتة فجأة ، فورد عليه من ذلك ماأذهله، فلم يدع بمدينة السلام طبيباً إلا ركب إليه واستركبه لينظر ابنه، ويشير عليه من أمره بعلاج. فلم يجبه كثير من الأطباء ؛ لكبر العلة وخطرها إلى الحضور معه.

ومن أجابه منهم فلم يجد عنده كبير غناء. فقيل له: أنت في جوار فيلسوف زمانه، وأعلم الناس بعلاج هذه العلة، فلو قصدته لوجدت عنده ماتحب. فدعته الضرورة إلى أن تحمل على الكندي بأحد إخوانه ، فثقل عليه في الحضور، فأجاب، وصار إلى منـزل التاجر، فلما رأى ابنه وأخذ مجسه، أمر بأن يحضر إليه من تلاميذه في علم الموسيقى من قد أنعم الحذق بضرب العود وعرف الطرائق المحزنة ، والمزعجة والمقوية للقلوب والنفوس. فحضر إليه أربعة نفر، فأمرهم أن يديموا الضرب عند رأسه، وأن يأخذوا في طريقة أوقفهم عليها، وأراهم مواقع النغم بها من أصابعهم على الرساتين  [38] ونقلها: فلم يزالون يضربون في تلك الطريقة، والكندي آخذ مجس الغلام، وهو في خلال ذلك يمتد نفسه، ويقوى نبضه، ويراجع إليه نفسه شيئاً بعد شيء، إلى أن تحرك، ثم جلس وتكلم، وأولئك يضربون في تلك الطريقة دائماً لايفترون فقال الكندي لأبيه:

سل ابنك عن علم ماتحتاج إلى علمه ، مما لك وعليك وأثبته . فجعل الرجل يسأله، وهو يخبره، ويكتب شيئاً بعد شيء. فلما أتى جميع مايحتاج إليه غفل الضاربون عن تلك الطريقة التي كانوا يضربونها، وفتروا ، فعاد الصبي إلى الحال الأولى، وغشيه السكات…  [39]" ومهما يكن من شأن الصنعة في هذه القصة ، فالكندي قد أفاض القول، كما سقنا بالشواهد من أقواله، في أثر الموسيقى من الوجهة الطبية، وبين "أن الألحان تؤثر في الجسم فتساعد على الهضم. وتبعث في الكيموسات [40] التلطيف والتنظيف"  [41] .

ولابد أن نذكر في سياق كلامنا على ابتداع العرب طرائق في المعالجة النفسية والعقلية  أنهم كانوا سباقين إلى المداواة بالوهم، وفي سير الأطباء التي حكاها ابن أبي أصيبعة مشاهدات وأنباء كثيرة من هذا القبيل.

فهو يورد، مثلاً، في سيرة أبي البركات هبة الله بن علي بن ملكا البلدي، أثر الوهم في شفاء بعض الأمراض؛ إذ يقول: "وهذا باب عظيم في المداواة . وقد جرى أمثال ذلك لجماعة من الأطباء المتقدمين في مداواتهم  بالأمور الوهمية. وقد ذكرت وكثيراً من ذلك في غير هذا الباب" [42].

أطباء الإسلام الذين جمعوا بين الطب والموسيقى :

        وهم كثر، لاريب في أن الفيلسوف الكندي (حوالي 260هـ / 873م)، أبرزهم وأعظمهم. ألف التصانيف [43]  الموسييقية الصرف مثل :

"كتاب المدخل إلى الموسيقى" و "رسالته في الإخبار عن صناعة الموسيقى"، "وكتاب في ترتيب النغم على طبائع الأشخاص العالية وتشابه التأليف" و "رسالة في اللحون والنغم" و "كتاب المصوتات الوترية من ذات الوتر الواحد إلى ذات العشرة الأوتار" و "مختصر الموسيقى في تأليف النغم وصنعة العود"، و غيرها [44].

وكذلك الفارابي [45] العظيم (339هـ / 950 م) الذي طغت شهرته بالفلسفة على علمه بالطب، أو بسفره الضخم، الجليل: "كتاب الموسيقى الكبير". الذي يقول "فارمر" عن مقدمته: "إنها تضاهي في الواقع، أن لم تنبذ كل ماورد في المصادر اليونانية" [46].

ومن هؤلاء الأطباء – الذين يعنوننا،في هذا المقام – مهذب الدين أبو الحسن علي بن أبي عبد الله عيسى بن هبة الله النقاش (574 هـ / 1178 م)، أحد أطباء البيمارستان النوري بدمشق : كان من أكابر أطباء زمانه؛ ومن طلابه [47] الطبيب المشهور رضي الدين الرحبي [48] . فقد تلقى عنه الطبيب الأندلسي أبو زكريا يحيى بن اسماعيل البياسي [49]، علم الموسيقى. والبياسي هذا ، بعد ، كان بارع العزف على العود، صنع  أرغناً أيضاً.

ومنهم : أبو المجد بن أبي الحكم عبيد الله بن المظفر (576 هـ / 1180 م)، الذي كان رأس أطباء البيمارستان المذكور، تضلع من الهندسة وعلم النجوم، وكان "… يعرف الموسيقى، ويلعب بالعود، ويجيد الغناء والإيقاع والزمر وسائر الآلات، وعمل أرغناً وبالغ في إتقانه" [50].

ولاغرو في هذا كله، فقد كان للموسيقى مكان مخصوص، ملحوظ في التعليم عند المسلمين [51]. وحسبنا، في هذا المجال، أن نشير إلى أن العالم الرياضي، علم الدين قيصر بن أبي القاسم بن مسافر، المعروف بتعاسيف الأسفوني  [52]، درس الموسيقى عل كمال الدين موسى بن يونس الموصلي (ابن منعه) [53]. وقد سأل كمال الدين تلميذه: بأي العلوم يريد أن يشرع فلم يقدم علم الدين على الموسيقى علماً.

الموسيقى وماأثبتته الإختبارات حديثاً :

        يقول الفيلسوف الألماني نيتشه (1844 – 1900 م) - :" لولا الموسيقى لكانت الحياة ضرباً من الخطأ"…

لذلك احتلت الموسيقى في عصرنا الراهن موقعاً فعالاً ومؤثراً في العلاج، لدرجة أن بعض الدول أنشئت فيها جمعيات متخصصة لهذا الغرض، مثل الجمعية الوطنية للعلاج بالموسيقى التي تأسست منذ عام 1950 في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوطن العربي بدأت تجربة لإدخال المعالجة بالموسيقى في المعهد الوطني لحماية الطفولة بتونس.

بعد أن ثبت بما لايدع مجالاً للشك مدى تأثير الموسيقى في كثير من الميادين، أنها تلهب حماسة المقاتلين في الحروب وتزيد الناس ابتهاجاً في الأعياد والمناسبات، علاوة على أنها تشفي العديد من الأمراض النفسية، وتساعد على إجراء بعض العمليات الجراحية عوضاً عن استعمال المخدر، وخاصة في ميدان طب الأسنان.

وعلماء عصرنا يؤكدون ما قاله الأقدمون عن تأثير الإنسان والحيوان، وحتى بعض النباتات بالموسيقى، فالتجارب التي أجريت في بعض البلدان الأوربية أثبتت بأن الأبقار إذا ما استمعت إلى أنماط معينة من الموسيقى أثناء حلبها، فإنها تدر الحليب بنسبة أكبر ، وتصير هادئة الطبع، وإن أنواعاً من النباتات إذا مانقلت إلى مكان يشتد فيه الصخب والضجيج فإن نموها يتوقف وربما تذبل وتموت.

وفيما يخص بتأثير الموسيقى على حياة الزوجين، فقد أكد أحد الأخصائيين في العلاج النفسي أن الأزواج يجب عليهم الراحة ثلاثة أيام أسبوعياً من مشاهدة برامج التلفزيون بكل أنواعها ونصح بالاستماع إلى الموسيقى الهادئة ولو ساعة في اليوم.

أما الطبيب النمساوي البروفيسور (برامز) فقد توصل إلى طريقة حديثة لإنقاص الوزن بالاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية لمدة ثلاث ساعات يومياً، للعلاج بشكل ملحوظ ونقص وزنهن إلى الحد المطلوب.

كما أن هناك عادة قديمة – حديثة – تمارسها الأمهات، وهي تهليل الأم لطفلها باللحن العذب والصوت الرقيق لكي تحمله على الهدوء والنوم.

والدراسات الأخيرة التي أجريت لتحديد علاقة الإنسان بالمتعة الموسيقية تثبت أن أساس المتعة الموسيقية هو مراكز المخ، حيث وصلت الدراسات إلى عدة ملاحظات منها:

1 – سلوك المستمع وتفاعله يحددان مدى تمتعه بالموسيقى، فالإنسان المهيأ لسماع الموسيقى يتأثر بها أكثر من الإنسان المشغول عنها.

2 – تأثير الموسيقى على أجهزة الجسم يعتمد إلى حد كبير على طبيعة الموسيقى، فبعض ألوان الموسيقى مثلاً يؤثر على الجهاز الدوري (القلب والأوعية) للإنسان، كما أن بعض ألوان الموسيقى الأخرى يؤثر على الجهاز العصبي ، لهذا يختلف الناس فيما بينهم بتأثرهم وتمتهم بالموسيقى.

3 – وعلى النقيض ، فإن ذات الموسيقى أو نفس النغمة قد تؤثر على الجهاز الهضمي لشخص ما، بينما هي تؤثر على الجهاز الدوري لشخص آخر، أو قد تؤثر على المخ والجهاز العصبي لشخص ثالث.

وقد أمكن قياس هذه التأثيرات والتغيرات الفيزيولوجية بأجهزة الطب الحديثة، مثل رسام القلب، ورسام المخ ، ورسام التنفس، وجهاز ضغط الدم، أو تقدير مستوى احتراق السكر في الدم.

إذاً ما أشار إليه ابن سينا وتلميذه الحسن بن زيلة وصفي الدين عبد المؤمن وابن عبد ربه… الخ. بشكل عام، تؤكد الدراسات والتجارب الطبية الحديثة تفصيلياً بالدليل العلمي.

كما ثبت أن هناك توافقاً بين الأحوال النفسية والأمراض الجسدية، وأي اختلاف في أحدهما، تنعكس صورته على الأخرى، لهذا صار من المألوف أن نسمع مثلاً عن قرحة المعدة، وارتفاع ضغط الدم، ونوبات القلب، ومرضى البول السكري أنها ترتكز على جذور نفسية وعصبية بنسبة كبيرة، ينبغي مراعاتها عند العلاج.

 

من عجائب تأثير الموسيقى :

        لقد كان الفارابي موسيقياً بارعاً بتأثير الموسيقى على النفس البشرية، حيث يروي لنا (ابن خلكان) في كتابه (وفيات الأعيان) أن الآلة المسماة بالقانون هي من وضع الفارابي، وأنه أول من ركبها هذا التركيب.

ويحكي لنا هذه الحادثة الطريفة العجيبة، وهي أن الفارابي كان ذات يوم في مجلس سيف الدولة الحمداني وكان مجلسه مجمع الفضلاء في جميع المعارف فأدخل عليه وهو بزي الأتراك. وكان ذلك زيه دائماً، فقال له سيف الدولة: "هل لك في أن تأكل؟ فقال: لا، فقال: فهل تشرب؟ فقال: لا، فقال: فهل تسمع؟ فقال: نعم، فأمر سيف الدولة بإحضار القيان، فحضر كل ماهر في هذه الصناعة بأنواع الملاهي، فلم يحرك أحد منهم آلته إلا وعابه أبو نصر ( الفارابي ) وقال له: أخطأت، فقال له سيف الدولة: وهل تحسن في هذه الصناعة شيئاً؟ فقال: نعم، ثم أخرج من وسطه خريطة ففتحها واخرج منها عيداناً وركبها، ثم لعب بها، فضحك منها كل من كان في المجلس، ثم فكها وركبها تركيباً آخر وضرب بها فبكى كل من في المجلس، ثم فكها وغير تركيبها وحركها فنام كل من في المجلس حتى البواب، فتركهم نياماً وخرج" [54].

الموسيقى وتأثيرها على الإنتاج :

        درست التأثيرات الموسيقية على وظائف الجسم وأجهزته المختلفة، وقام ببحث التجربة رجال عديدون مثل (دوجل ووندت وغيرهما) إذ قام برسم وتخطيط كفاءة العضلات. وقد أثبت تخطيط رسم العضلات أن سماع الموسيقى المناسبة يزيد من نشاط العضلات ويرفع كفاءتها ، مما يرفع بالتالي كفاءة مجموعة النشاطات لدى الفرد، وهذا ينعكس بالطبع إيجابياً على مردود الإنتاج.

لقد أدخلت الموسيقى إلى أحد المصانع خلال تجربة جرت نهاراً، وأخرى جرت ليلاً، وانتهت إلى أن الإنتاج وصل إلى الذروة عندما أدخلت الموسيقى بنسبة 12% من وقت العمل فقط، أما في تجربة الليل فقد وصل الإنتاج إلى الذروة عندما أدخلت الموسيقى بنسبة  50% من وقت العمل.

 

خاتمة…

 

        لو أن في كل أسرة عربية فرداً واحداً يعزف على آلة، لاستطاعت كل أسرة أن تحل مشاكلها وتنطلق؛ لأن الموسيقى تحل لنا مشاكلنا النفسية، وبالتالي مشاكلنا الصحية العضوية. بل لقد اقتحمت الموسيقى المجال الاقتصادي وساعدت على زيادة الإنتاج.

إن الموسيقى الرفيعة من عالمية وعربية تشكل كالكتاب والفن والمسرح، الغذاء الروحي للشعوب، وبالتالي فهي ليست ترفاً بل "ضرورة" تكاد تكون مادية يتعين أن توفرها كل دولة لكل فرد، وأن تبدأ في تقديمها له منذ الطفولة وطوال حياته حتى نهاية مرحلة العمر.

 

 

… المراجع والحواشي والتعليقات

 



[1] -ابن خلدون (عبد الرحمن)، مقدمة ابن خلدون. دار ابن خلدون، القاهرة ص297 .

 

[2] -الأنطاكي (داود)، النزهة المبهجة في تشحيذ الذهان وتعديل الأمزجة، على هامش تذكرة أولي الألباب ج1، المكتبة الثقافية، بيروت. ص19.

 

[3] -فيثاغورس الفيلسوف المشهور المذكور من فلاسفة اليونان وحكمائهم كان بعدأبيذ قلس الحكيم بزمان وأخذ الحكمة عن أصحاب سليمان بن داود النبي بمصر حين دخلوا إليها من بلاد الشام، وقد كان أخذ الهندسة قبلهم عن المصريين ثم رجع إلى بلاد اليونان ، فأدخل إليهم علم الهندسة ، ولم يكونوا يعلمونها قبل ذلك، وأدخل إليهم علم الطبيعة أيضاً وعلم الدين واستخرج بذكائه علم الألحان وتأليف النغم وأوقعها تحت النسب العددية وادعى أنه استفاد ذلك من مشكاة النبوة وله في نضد العالم وترتيبه على خواص العدد ومراتبه رموز عجيبة.

     ابن القفطي، جمال الدين أبو الحسن علي بن القاضي الأشرف يوسف القفطي، إخبار    
    العلماء بأخبار الحكماء، مكتبة المتنبي، القاهرة . ص170.

 [4] - القنوجي، صديق بن حسن. أبجد العلوم، وزارة الثقافة، دمشق 1988 م الجزء  
        الثاني،القسم   الثاني ص228 – 230.

 [5] - فارمر (هنري جورج): "تاريخ الموسيقى العربية" (ترجمة حسين نصار وعبد العزيز 
      الأهواني)، دار الطباعة الحديثة، القاهرة، 1956، [ الألف كتاب (7) ] ص231.

 [6] - نفس المصدر السابق ص16.

 [7] - إخوان الصفا: إن حقيقة "إخوان الصفا وخلان الوفا وأهل العدل وأبناء الحمد" يكتنفها
    الغموض، وهي عرضة للأخذ والرد. ومعلوم أن واضعي هذه الرسائل لم يفصحوا عن 
    أنفسهم. ولكن الباحثين ، اليوم يكادون يعرفون منهم: أبا سليمان محمد بن مشير البشي،
    المشهور بالمقدسي، وأبا الحسن علي بن هرون الزنجاني، ومحمد بن أحمد المهرجاني (يسميه "ده
    بور" النهر جوري)، وأبا الحسن العوفي، وزيد بن رفاعة.

(انظر : " ده بور" ، "إخوان الصفا" في "دائرة المعارف الاسلامية   الترجمة العربية، "كتاب    
  الشعب": 2/452 – 454)

 [8] - فارمر، تاريخ الموسيقى العربية. ص232.

 [9] -  خير الله (أمين أسعد): "الطب العربي" (ترجمة مصطفى أبو عز الدين)، المطبعة الأميركانية، بيروت، 1356 . ص69

 [10] -  نفس المصدر السابق. ص132 – 133

 [11] -  نفس المصدر السابق. ص132 – 133

 [12] -  قلاوون: هو السلطان الألفي، العلائي، الصالحي، النجمي، أبو المعالي سيف الدين، الملك
       المنصور مؤسس الدولة القلاوونية بمصر والشام. كان من المماليك، مقدماً في الدولة، ثم 
       خلع الملك العادل سلامش، ابن الملك الظاهر، واستقل بالحكم، ذكرت له مآثر جمة ، على
       قصر أمده (إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر) توفي سنة 689هـ / 1290 م الزركلي (خير
       الدين): الأعلام"، الطبعة الثالثة ، بيروت، 1969م، 6 / 50

 [13] - عيسى (أحمد): "تاريخ البيمارستانات في الإسلام" ، المطبعة الهاشمية  ، دمشق 1939 م.
        ص101-103

 [14] - إخوان الصفا: "رسائل إخوان الصفا" ج1، دار بيروت، دار صادر 1957 م (1/187)

 [15] - كرد علي (محمد): "خطط الشام" ، ج6، مطبعة المفيد بدمشق، 1928 6/165.

 [16] - نفس المصدر السابق: 6/166

 [17] - الرازي (أبو بكر محمد بن زكريا): "كتاب الحاوي في الطب"، ج1، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الركن الهند ،1955  م. (1/68)

[18] - ابن سينا (أبو علي الحسين): "القانون في الطب ، ج1 – ج3، دار الطباعة المصرية ،
       1294 هـ . (2/70-71).

 [19] - نفس المصدر السابق. (1/221)

 [20] - نفس المصدر السابق. (3/9).

[21] -  ابن أبي أصيبعة ( أحمد): " عيون الأنباء في طبقات الأطباء" ج1 – ج2 ، الطبعة الأولى،
       المطبعة الوهبية، القاهرة ، 1881 – 1882 (1/320)

 [22] -ابن سينا، القانون في الطب. (1/125).

 

[23] - نفس المصدر السابق. (1/196) .

 

[24] -الكندي: "فيلسوف العرب وأحد أبناء ملوكها" يعقوب بن اسحق، أبو يوسف. كان أيضاً
       عالماً بالطب، والحساب، والهندسة، والهيئة، وغيرها من فنون المعرفة التي ألف فيها كلها
       تقريباً حتى قيل إنه وضع وترجم أكثر من 300 كتاب.

       توفي في حدود سنة 260 هـ / 873 م.

 [25] - يوسف (زكريا): "مؤلفات الكندي الموسيقية" مطبعة شفيق، بغداد، 1962 م ص83

 

[26] -نفس المصدر السابق. ص84 .

 

[27] -نفس المصدر السابق. ص88-89 .

[28] -"رسالة في أجزاء خبرية في الموسيقى" (حققها زكريا يوسف ونشرها ضمن "مؤلفات  
       الكندي الموسيقية" ): 102-103 وتجد في رسالة "إخوان الصفا" المذكورة آنفاً (1/213)
       ذكراً مقتضياً لكثير مما ساقه الكندي فيما تقدم.

 [29] - " مفتاح السعادة ومصباح السيادة "  الطبعة الأولى، مطبعة دائرة المعارف العثمانية – حيدر  آباد الركن – الهند – 1328 هـ (1/331) .

 [30] - عبد المجيد بن محمد، من خلفاء الدولة الفاطمية بمصر. توفي سنة 544 هـ/ 1149 م
        ("الأعلام" 4/493) .

[31] - Lane- poole (stanley) : " A history of Egypt in the Middle ages " ,

    Methuen , Fifth edition, London , 1936  , P: 169

 

[32] -الماحي (التجاني): "مقدمة في تاريخ الطب العربي"، الطبعة الأولى، مطبعة مصر، الخرطوم،
      1959 م. ص108. وجدير بالذكر أن ابن أبي أصيبعة سمى من تأليف ابن الهيثم (430
      هـ/ 1038 م) رسالة "في تاثيرات اللحون الموسيقية في النفوس الحيوانية" ("عيون الأنباء في       
      طبقات الأطباء
"  : 2/97).

 [33] - ابن النفيس (علاء الدين علي): " كتاب الموجز في الطب " ، مخطوطة في مكتبة الجامعة
      الأميركية في بيروت، تحت رقم:
MS , 10 I 132 KA .

 [34] -  أي القياس الاقتراني، أو مايسمى، في علم الأصول، بالتعادل والتراجيح.

 [35] - الأنطاكي (داود): "تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب " ، ج2، المطبعة
       العثمانية المصرية، 1356. (2/94).

 [36] -نفس المصدر السابق. (2/37).

 [37] -نفس المصدر السابق. (2/39) .

 [38] -مفردها دستان (فارسية) تعني المسافة المكانية والزمانية بين الملاوي .

 [39] -  القفطي، "إخبار العلماء بأخبار الحكماء" (ط. السعادة بمصر، 1326 هـ) : (246-247).        
[40] - الكيموس (CHYME)  " صفو الغذاء المنهضم، وهو الغذاء المنهضم في المعدة،، ولم
       سيتعرض بعد لفعل الصفراء، ولا لإفرازات الأمعاء أو البنكرياس
".

 [41] -  يوسف (زكريا): "موسيقى الكندي"، مطبعة دمشق، بغداد، 1962 م ص28-29 .    
[42] -  ابن أبي أصيبعة " عيون الأنباء…" (1/279) وانظر أيضاً: (1/127) .

 [43] - ابن أبي أصيبعة  1/210 ، القفطي 242.

 [44] -  يوسف (زكريا): "مؤلفات الكندي الموسيقية" (8-9)، و "رسالة الكندي في اللحون والنغم" (تحقيق زكريا يوسف).

 [45] -الفارابي: أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلع الفارابي التركي الحكيم المشهور،
      صاحب التصانيف في المنطق والموسيقى وغيرها من العلوم، وهو أكبر فلاسفة المسلمين، ولم    
      يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه، وكان رجلاً تركياً ولد في بلده ونشأ بها، ثم خرج من
      بلده وتنقلت به الأسفار إلى أن وصل إلى بغداد، وهو يعرف اللسان التركي وعدة لغات
     غير العربي، فشرع في اللسان العربي فتعلمه وأتقنه غاية الإتقان، ثم اشتغل بعلوم الحكمة.   
     (ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. المجلد الخامس، دار صادر – بيروت
     1977. ص153.

 [46] -"تراث الإسلام". ص54.

 [47] - ابن أبي اصيبعة، "عيون الأنباء…" (2/193).

 [48] -رضي الدين الرحبي: هو أبو الحجاج يوسف بن حيدرة بن الحسن الرحبي. نسبة إلى الرحبة   (أو الرخي كما عند ابن العماد: 5/147: "بتشديد الخاء المعجمة نسبة إلى الرخ، ناحية  
      نيسابور": أحد المقدمين في الطب، ولد في جزيرة ابن عمر سنة 534 هـ/1140 م. وأقام
      بنصيبين والرحبة، ثم قصد بغداد حيث مارس الطبابة، ثم مصر والشام ، درس عليه خلق
      كثير، وكان يتعاطى التجارة شغفاً ، له عدة تصانيف ، توفي بدمشق سنة 631 هـ/1233
      م. (ابن أبي اصيبعة: 2/192 – 195 )

 [49] -أبو زكريا يحيى بن إسماعيل البياسي : لم يذكر ابن اصيبعة تاريخ مولده أو وفاته. ولكنه
      أثبت (2/163) أنه خدم صلاح الدين الأيوبي (المتوفى سنة 589 هـ / 1193 م).

 [50] - ابن أبي اصيبعة : (2/155 ) .

 [51] - Sarton (George) : " Intrduction to the history of science "

V.2 ,  Carnegie Institution of Washington .  2/25 , 510

 [52] - الأسفوني : ولد في أسفون في صعيد مصر سنة 574 هـ /1178 م . ومن هنا عرف
       بالأسفوني . وتوفي في دمشق سنة 649 هـ /1251م .
…… كان عالماً بالرياضيات
      أقام بحماة وأقبل على ملكها وأحس إليه
وعمل للسلطان أَكْرة (" الكرة وكل مستدير
      كروي") عظيمة ، صوّر فيها الكواكب المرصودة ، وعمل له طاحوناً على العاصي ، وبنى له
      أبراجاً ، وتحيّل منها بحيل هندسية
( الأدفوي : " الطالع السعيد "  469 471       
   (الترجمة رقم 366 ) ، الدار المصرية للتأليف والترجمة ، القاهرة ، 1966 ) . وذكر"سارتون "
(2/506 )       أنه صنع كرة تمثل الأجرام السماوية (Celestial globe ) التي تصلح لها في  عربيتنا
       كلمة "سَمَاوَه" لا تزال محفوظة حتى اليوم في متحف نابولي .

 [53] - ابن منعة : هو كمال الدين موسى بن يونس الموصلي ، فقيه شافعي ، موصلي . كان آية عصره في الرياضيات والنبوغ العلمي الشامل . ولقد أوجز سارتون (2 / 600 ) وَصْفه لما
      قال : " من أعلم علماء زمانه ، ومن كبار المعلمين . أو هو المعلم العظيم ، ومن أصحاب
     النـتاج الضخم ، وهو مجموعة معارف شتى من العلوم والفنون " كما وصفه بأنه
     "موسوعي المعرفة " 
 2 / 500 )  ).

 [54] - ابن خلكان  ، " وفيات الأعيان  …… "  ص 155 156  .