زرع الأعضاء وأخلاقيات الطب  من منظور إسلامي

د. عبد الناصر كعدان*

مقدمة:

   تشهد البشرية اليوم والعالم بأجمعه تقدماً سريعاً ومطّرداً، في كافة شؤون الحياة وفي مختلف جوانب النشاط البشري، هذا التطور العملي والتقدم المعرفي يدفع إلى الواقع بمعطيات جديدة لم تكن في السابق، تفرض على المسلم أن يتفاعل معها إما تفاعلاً إيجابياً أو سلبياً، إما بالقبول أو بالرد أو بالقبول المقيد. من هذه المعطيات الحديثة على سبيل المثال لا الحصر، ما كان منها في الجانب الطبي كعمليات الاستنساخ وعمليات الطب الوراثي وعمليات التلقيح الاصطناعي وعمليات زراعة ونقل الأعضاء وغيرها من الأمور الحديثة في التقدم العلمي الطبي، هذا الأمر يلقى بتبعة كبيرة وعظيمة على علماء الفقه والشريعة الإسلامية بأن يخرجوا للناس بفقه معاصر يلبي هذه الاحتياجات، يتماشى مع العصر ومع الواقع شريطة ألا يمس بأصول وقواعد الإسلام العظيمة.

     ومن فضل الله تبارك وتعالى علينا أنه مَنَّ علينا بدين عظيم، وبشريعة رحبة، تتسع لكل زمان ولكل مكان، هذه الشريعة بمقاصدها ومبادئها وقواعدها وأحكامها فيها الحل لكل مشكلة والعلاج لكل داء، من صيدلية الإسلام نفسها، هذا الدين العظيم شرعه خالق الإنسان، وخالق هذا الكون وهو الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلِحه وما يفسده (والله يعلم المفسد من المصلح)، (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) من فضائل هذه الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم أنها لم تنص على الأشياء في كثير من الأحيان بنصوص جزئية تفصيلية، إنما نصت أو جاءت بنصوص كلية وقواعد عامة. ومن ناحية أخرى حتى الأمور التي فيها نصوص تفصيلية تتسع لأكثر من فهم وأكثر من تفسير، ومن ناحية ثالثة فهي راعت الظروف الطارئة والضرورات العارضة للإنسان وقدرت لها قدرها ومن ناحية رابعة فقد قرر علماؤها أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال. من أجل هذا لم تضيق الشريعة بأي حادثة من الحوادث في أي بلد دخلت فيها. ونحن نعرف الشريعة الإسلامية خرجت من جزيرة العرب ودخلت بلاد الحضارات المختلفة في الشام، في مصر، في بلاد الفرس، وفي بلاد الروم، وبلاد الفراعنة وبلاد الهند، وحكمت بلاداً شتى وما ضاقت بأي واقعة من الوقائع لأن الشريعة خصبة، فلذلك نحن في عصرنا هذا نرحب بكل يجيء به العصر، من ذلك نقول أن الفقه الطبي في عصرنا فقه ثري، نعني بالفقه الطبي الفقه الذي يواكب معطيات هذا العصر ومتطلباته، فقد تقدم الطب تقدماً عظيماً جداً، نتيجة التقدم العلمي والتقدم التكنولوجي والتقدم البيولوجي، فرأينا أن الإسلام والحمد لله وضع حلولاً لكل هذه المشاكل، ومن فضل الله علينا أن يجتمع الفقهاء والأطباء، وهذا سَنَّتهُ المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت، سَنَّت هذه السنة الحسنة، أنها تجمع بين أهل الفقه وأهل الطب ويناقشون في ندوات لعدة أيام موضوعاً من الموضوعات، يعرض الأطباء ويقرر الفقهاء ويناقش بعضهم بعضاً ثم ينتهون إلى نتيجة، ومن هذه الأشياء موضوع زراعة الأعضاء، وهو يتعلق بالتداوي، الإسلام شرع التداوي، النبي عليه الصلاة والسلام قال "تداووا يا عباد الله إن الله الذي أنزل الداء أنزل الدواء" قال ذلك للأعراب وقد جاءوا يسألون عن ذلك، وقال "ما أنزل الله داءاً إلا أنزل له شفاء علمه من علمه، وجهله من جهله" وقال "لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برء بإذن الله" وسئل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها وتقاة نتقيها ورقى نسترقيها هل ترد من قدر الله شيئاً، فقال: "هي من قدر الله"، وهذا جواب نبوي في غاية الحكمة والروعة، إن الكثير من الناس يظنون أن المسبَبات من قدر الله، والأسباب ليست من قدر الله، الله هو الذي قدَّر السبب وقدَّر المسَبَّب، وشرع لك أن تدفع الأسباب بعضها ببعض، والأقدار بعضها ببعض، الدواء قدر والداء قدر، ادفع قدر الداء بقدر الدواء، ادفع قدر الجوع بقدر الغذاء، ادفع قدر العطش بقدر الري من الماء، وهكذا فهي من قدر الله.

نسبة نجاح زرع الأعضاء:
    إن نجاح زراعة الأعضاء تختلف من عضو إلى آخر، ومن فرد إلى آخر.

    فبالنسبة للكلى إذا كان المتبرع حيا فإن نسبة النجاح هي أكثر من 95%  وقد تصل في كثير من المراكز إلى 97%. أما إذا كان المتبرع ميتا، فإن نسبة النجاح تبدأ من 95% في السنة الأولى، ثم تبدأ تقل على مدار الـ 5 سنوات حتى تصل إلى 80%.  فالكلى التي زرعت لـ 100 شخص ـ والمأخوذة من متبرع ميت ـ نجد أن 80 منهم لا تزال الكلى المزروعة فيهم تعمل عملاً جيداً، وهي نسبة نجاح عالية جداً.

    بالنسبة للكبد فإن النسبة أقل بقليل من ذلك. إلا أن المراكز المتقدمة جدا في مجال زراعة الكبد فقد حققت نجاحا وصل إلى 85%.

      بالنسبة للبنكرياس فإن نسبة النجاح أقل من ذلك.

       أما بالنسبة للقلب فتعتمد نسبة النجاح على المركز الذي يجري هذه العملية. وباختصار يمكن القول بأن زرع الكلى فقد أصبحت عملية سهلة ومنتشرة في مراكز متعددة جداً، وفي معظم أرجاء العالم تتراوح نسبة النجاح ما بين 85 - 95%.

زرع الأعضاء الحيوانية:   

     تواجه عمليات زرع الأعضاء الحيوانية بالرفض الشديد من قبل جسم الإنسان. إلا أنه مع تطور هندسة الجينات فربما في المستقبل القريب (أي في حدود 10 سنوات) يتوقع أن يكون زرع أعضاء الحيوان للإنسان أكثر نجاحا. وهذا الأمر ينطوي على كثير من الأهمية، خصوصا أنه تواجه صعوبات بالغة في تأمين متبرعين بشر سواء  كانوا من الأحياء أو من الأموات. فعدد المتبرعين هو أقل بكثير من عدد المحتاجين لهذه الأعضاء.  والمشكلة الثانية في نقل أعضاء الحيوان هي أن بعض الحيوانات تصاب بأمراض فيروسية إذا انتقلت إلى الإنسان فإنها تكون خطيرة، وقد تنتقل من هذا الإنسان إلى الآخرين عن طريق العدوى. إلا أن الأبحاث حالياً مُركَّزة بشكل مكثف للتغلب على هذين العائقين وهما مشكلة الرفض الشديد لجسم الإنسان وأمن العدوى.

زرع الأعضاء والأطباء القدامى:

      تحدث الأطباء وكذلك العلماء القدامى والفقهاء عن حالات زرع الأسنان وحالات وصل العظام، حيث أشاروا إلى أنه إذا انكسر العظم ولم ينجبر فمن الممكن أن يوصل بعظم إما من إنسان أو من حيوان مذكَّى أو غير مذكَّى، وتحدث في ذلك حديثاً طويلاً. كما تحدَّث الزهراوي عن زراعة الأسنان وكيفية أخذ السن من عجل ومحاولة تصغير حجمه حتى تكون مناسبة للسن الإنساني لمحاولة زرعها.

 رأي علماء الشريعة الإسلامية في موضوع التبرع بالأعضاء:

    قرر علماء الشريعة الإسلامية أنه لا مانع من التبرع بالأعضاء. فصحيح أن جسم الإنسان هو ملك لله تعالى، حيث أن اله له ملك كل شيء، إلا أنه يمكن للإنسان أن يتبرع بأحد أعضاءه. تماما كالمال الذي يملكه الإنسان الذي هو في الحقيقة ملك لله. فالمال فضل الله ورزق الله، ومع هذا فالإنسان يزكي بالمال ويتبرع بالمال، ويتصدق بالمال، صدقة جارية أو صدقة غير جارية، أو صدقة مفروضة أو صدقة مندوبة، فلماذا لا يتبرع الإنسان بجزء من الجسم، ألم يجز الناس من غير نكير بإباحة التبرع بالدم، الدم جزء من الجسم، ولا يحيا الجسم إلا بهذا الدم، ومع هذا يجوز للإنسان أن يتبرع بدمه، كما أن المرأة تتبرع بلبنها فقد ترضع امرأة طفلاً لامرأة أخرى، وهذا اللبن جزء منها، فأن يتبرع الإنسان بجزء منه هذا جائز بشروط طبعاً وضوابط.

شروط التبرع:

  إن العلماء الذين أجازوا هذا قالوا بشرط أن يترجح أن المريض سينتفع من هذا العضو، طبعاً اليقين لا يعلمه إلا الله، فهذا غيب (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً) إنما يكون حسب سنن الله، حسب النظر في الأسباب والمسببات، أن المريض سينتفع بهذا الأمر ويعيش مدة معقولة، إنما إذا كان يموت فنقوم بنقل عضو من شخص إليه فهذا لا يجوز، لابد أن يكون حسب السنن أن صحته جيدة، ولا ينقصه إلا هذا الأمر، وإذا أعطي له فسوف ينتفع به، هذا حسب الظاهر لنا، نحن نحكم بالظاهر والله يتولى سره، ونحن نعلم أن الأحكام العملية أحكام الفقه تبنى على غالب الظن ولا تبنى على اليقين، فنحن نحكم بشهادة اثنين وقد يكونا واهمين أو أحدهما، أو يكونا كاذبين أو أحدهما، فهذا احتمال قائم لكن الظن الغالب أنهما صادقان، وحسب تزكية الناس لهما وحسب ظاهر أمرها فنحن نحكم بغالب الظن.

     التبرع لا يأتي بالأمر وخاصة إذا كان الولد صغيراً فلا يجوز ذلك، يشترط في المتبرع أن يكون بالغاً، حتى أن البعض قال أنه لابد أن يبلغ سن 18 سنة، فالفقهاء مختلفين في سن البلوغ بعضهم قال 15، بعضهم قال 17 أو 18، بل الأطباء قالوا أن يبلغ 21 سنة، وهو ما يعتبر بسن الرشد لأن هذا الأمر خطير، فإذا كان الولد صغيراً فلا يجوز من أبيه أن يأمره، ولا يجوز له أن يأخذ أي عضو فيه، وإذا كان كبيراً فهو أمير نفسه، إن شاء تبرع لأمه وإن شاء لم يتبرع لها، هذا ليس من شرائط البر أن يتبرع لها بعضو منه، هذا أمر مندوب وليس مفروض، ولا يجوز للأب أن يجبر ابنه على التبرع لأمه، لأن هذه الأشياء ليست من الأمور الواجبة حتى يؤمر عليها الإنسان، هذه أشياء يتطوع بها الإنسان باختياره وبإرادته المحضة وليس لأحد أن يجبر أحداً على التبرع بعضو من أعضاءه، لابد أن تطيب نفسه تماماً بهذا الأمر.

الموت الدماغي:

    إن تعريف الوفاة في الإسلام هي مفارقة الروح للجسد. ومن المعروف طبيا أنه إذا مات الدماغ أو أصيب الدماغ إصابة شديدة وخصوصا جذع المخ فلا يجب أن نتطرق إلى جزء آخر إلا جذع المخ، وهو الجزء الأساسي الذي يتحكم في أهم الوظائف الأساسية الحيوية في الجسم لو توفى جذع المخ أو أصيب إصابة لا رجعة فيها أو إصابة تحلل، فيعتبر المريض في هذه الحالة متوفى. ولا يجب الخلط أبداً بين الغيبوبة الشديدة كما يقول بعض الناس أن المريض وضع على جهاز التنفس ثم دخل في غيبوبة ثم يفيق فيقولون أنه مات ثم صحي فهذه اسمها غيبوبة. والموت يتحقق بأحد أمرين؛ إما بتوقف القلب وهذا المعروف قديماً فكانت الناس تعرف أن الشخص مات عندما لا تسمع نبضات قلبه وتنفسه توقف تماماً، وتوقف القلب هنا هو توقف لا رجعة فيه ويقرر ذلك الأطباء المختصون، فقد يتوقف القلب هو توقف لا رجعة فيه ويقرر ذلك الأطباء المختصون فقد يتوقف قلب الشخص توقفاً مؤقتاً ثم يعود إلى النبض فهنا لابد من توقف القلب توقف لا رجعة فيه، والأمر الثاني هو هلاك وتلف جذع الدماغ أو جذع المخ وهو الأساسي بحيث يتلف تلفاً لا رجعة فيه ويأخذ في التحلل وهذا يعرفه الأطباء بإشارات كهربائية، فإذا وجد أحد الأمرين فيعتبر الشخص في هذه الحالة متوفى، ومن المعروف بأن أساس وفاة القلب هو وفاة المخ لأنه من الممكن أن يعمل قلب الشخص وهو ميت أي أن هذه المضخة الدموية تعمل وهو ليس عنده أدنى إحساس ولا وعي ولا أي شيء إطلاقاً. فإذا أصيب إنسان في حادثة نجم عنها حدوث تلف دماغي دائم، فمن الممكن أن يؤخذ في هذه الحالة ويوضع تحت الأجهزة حتى تنقل منه الأعضاء إذا كان هو موصياً بذلك، حيث يشترط أن يوصي هو بهذا الأمر لأنه هو الذي يملك بدنه، وهذا أمر يجب التشجيع عليه حيث أنه إذا انتفع آخرون من جسم الإنسان فقد ينال الأجر الكبير. (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)

شراء وبيع الأعضاء:

    لا يبيح الشرع بحال من الأحوال أن تصبح أعضاء الإنسان سلعة تباع وتشترى. الله سبحانه وتعالى كرَّم الإنسان (ولقد كرمنا بني آدم) فلا يجوز أن يصبح الإنسان بضاعة، وللأسف يستغل فقر الناس في بعض البلاد ويذهبون ليشتروا كلاهم وأعضائهم هذا لا يُقبل في نظر الإسلام، البيع كما عرَّفه الفقهاء هو مبادلة مال بمال بالتراضي والإنسان لا يمكن أن يكون مالاً لذلك البيع محرم وغير شرعي، إنما يجوز للإنسان إن أعطاه شخصاً كليته أن يهديه هدية، يعطيه إكرامية. إنما لا يتفق معه على البيع بسعر فيقول اشتريها منك بـ 10 آلاف، فيرد الآخر لا أبيعك إياها إلا بـ 12 ألف، وتصبح العملية مساومة هذا أمر لا يجوز. إنما لو تبرع شخص كأن تكون هناك قرابة بينهما، أو خدمة أداها له، لفضل يرجوه منه هذا لا بأس به ويجب التشديد في هذه القضية، بيع الأعضاء لا يجوز بحال من الأحوال. وإن الإنسان سواء كان مسلماً أم غير مسلم لا يُباع، الإنسان الحر لا يُباع، كما جاء في الحديث "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة … رجل باع حراً فأكل ثمنه" فبيع الحر وشراء الحر أو شراء عضو منه لا يجوز بحال، إنما يجوز الإهداء، يجوز الإكرام، والتبرع فلا يتبرع الإنسان إلا في حدود معينة فلا يجوز له أن يتبرع إن كان التبرع يضره هو، وكذلك يسأل الكثيرون هل يجوز أن يزرع الإنسان المسلم في جسمه عضو لإنسان غير مسلم؟ طبعاً يجوز لأن الأعضاء في الإنسان لا تسلم ولا تكفر، فالأعضاء كلها مسلمة كل ما هو داخل جسم الإنسان يسبح بحمد الله، وما من شيء إلا يسبح بحمد الله، وكما يجوز أن يأخذ المسلم من غير المسلم يجوز أن يعطي المسلم عضوه لغير المسلم أيضاً، فلن يكونوا هم أكرم منا فهم يعطوننا ونحن لا نعطيهم، الله تعالى يقول (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) فبرهم والإحسان إليهم مطلوب (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) والأسير في ذلك الوقت كان من غير المسلمين (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً).

شراء الأعضاء من بنك الأعضاء:

    يمكن اللجوء إلى بنك عنده كلى من أشخاص أصابتهم حوادث، ويجمِّدها عنده ويبيعها لمن يدفع فهذا لا مانع منه. وكذلك كأن يأخذ البنك هذه الأعضاء تبرعاً ويبيعها فهذا لا مانع من هذه الحالة أيضا.

 أخذ المال مقابل التبرع بالدم:

    إذا كان هذا المال من باب الإكرامية أو التشجيع على التبرع فلا مانع منه، إنما إن كان ثمناً فهذا ليس مقبولاً. ومن المعروف أن بنوك الدم تعطي مالا لقاء ذلك ليس كثمن للدم، وإنما يعطونه كإكرامية،  فهم يشجعون الناس للتبرع بالدم حيث أن اسمه تبرع، فدائما النداءات تنادي الناس للتبرع بدمائهم.

دور الأعضاء الاصطناعية كبديل عن نقل الأعضاء الطبيعية:

     لا تستطيع الأعضاء الاصطناعية أن تقوم بوظيفة الأعضاء الطبيعية التي خلقها الله سبحانه وتعالى. فكل عضو منها هو معجزة من المعجزات الربانية التي لا يستطيع البشر أن يقوموا بوظائفها المتعددة. ولكن الكلى مثلاً الآن هناك عملية الغسيل الكلوي وهي تقوم بأجزاء كبيرة من وظيفة الكلى، ولكنها لا تقوم بكل وظائف الكلى، وهناك فرق بين الشخص الذي يعيش على الكلى الصناعية والغسيل الكلوي وبين الشخص الذي عنده كلية مزروعة. وهناك محاولات كثيرة لصنع قلب صناعي ولكنها فشلت هذه المحاولات إلى الآن، وأكثر تلك الحالات عاش فيها المريض لمدة أسبوع أو أسبوعين.

زرع الأعضاء التناسلية:

أولا: الغدد التناسلية:

      إن الخصية والمبيض بحكم أنهما يستمران في حمل وإفراز الشفرة الوراثية للمنقول منه حتى بعد زرعهما في متلق جديد فإن زرعهما محرم مطلقا نظرا لأنه يفضي إلى اختلاط الأنساب وتكون ثمرة الإنجاب غير وليدة من الزوجين الشرعيين المرتبطين بعقد الزواج.

ثانيا: الأعضاء التناسلية غير الناقلة للصفات الوراثية:

     إن زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي ما عدا العورات المغلظة التي لا تنقل الصفات الوراثية جائز استجابة لضرورة  مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية.

زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي:

    إن الغرض من هذه الزراعة إما لعلاج قصور خلايا معينة في المخ عن إفراز مادتها الكيميائية أو الهرمونية بالقدر السوي فيستكمل هذا النقص بأن تودع  في موطنها من المخ خلايا مثيلة من مصدر آخر أو لعبور فجوة في الجهاز العصبي نتيجة بعض الإصابات كما يستبدل بقطعة من سلك تالف قطعة صالحة.

     والمصدر الأول للحصول على الأنسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه، وليس في ذلك من بأس شرعا وفيه ميزة القبول المناعي. لأن: الخلايا من الجسم نفسه.

     أما المصدر الثاني هو الحصول على الأنسجة من خلايا حية من مخ جنين باكر (في الأسبوع العاشر أو الحادي عشر).

وهناك طرق للحصول على هذه الخلايا:

     الطريقة الأولى: أخذها من جنين حيواني وقد نجحت هذه الطريقة بين فصائل مختلفة من الحيوان ومن المأمول نجاحها باتخاذ ألاحتياطات الطبية اللازمة لتفادي- الرفض المناعي، وإنه لا مانع شرعا من هذه الطريقة إن أمكن نجاحها.

     الطريقة الثانية: أخذها مباشرة من الجنين الإنساني في بطن أمه بفتح الرحم جراحيا.
وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا منه، وهذا محرم شرعا، إلا إذا كان بعد إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم. وبالشروط التي ترد في موضوع الاستفادة من الأجنة.

    الطريقة الثالثة: وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خلايا المخ في مزارع أجيالا بعد أجيال للإفادة منها. وهذا لا بأس في ذلك شرعا إذا كان المصدر للخلايا المستزرعة مشروعا".

المولود اللادماغي:

    طالما بقي حيا بحياة جذع  مخه  لا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته بموت جذع دماغه، ولا فرق بينه وبين غيره من الأسوياء في هذا الموضوع، فإذا مات فإن الأخذ من أعضائه تراعى فيه الأحكام والشروط المعتبرة في نقل أعضاء الموتى من الإذن المعتبر وعدم وجود البديل وتحقق الضرورة، وذلك وفقا للقواعد التالية:

     أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليهما وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيا أو عضويا.

    ثانيا: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيا، كالدم والجلد ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.

     ثالثا: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية. 

    رابعا: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر. 

     خامسا: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنية العينين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءا من وظيفة أساسية فهو محل بصما ونظركما يأتي في الفقرة الثامنة.

      سادسا: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته أو بشرط موافقة ولي المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.

    سابعا: وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو. إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما. أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريما. فمحل اجتهاد ونظر.

      ثامنا: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع فهو محل بحث ونظر ويجب طرحه للدراسة والبحث مستقبلا على ضوء المعطيات  الطبقة والأحكام الشرعية.

ولا يوجد ما يمنع من إبقاء هذا المولود اللادماغي على أجهزة الإنعاش إلى ما بعد موت جذع المخ (والذي يمكن تشخيصه) للمحافظة على حيوية الأعضاء الصالحة للنقل توطئة للاستفادة منها بنقلها إلى غيره بالشروط المذكورة أعلاه. 

البويضات الملقحة الزائدة عن الحاجة:

    إن الوضع الأمثل موضوع (مصير البويضات الملقحة) هو أن لا يكون هناك فائض منها وذلك بأن يستمر العلماء في أبحاثهم قصد الاحتفاظ بالبويضات غير ملقحة مع إيجاد الأسلوب الذي يحفظ له ا القدرة على التلقيح السوي فيما بعد.

      ويوصى ألا يعرض العلماء للتلقيح إلا العدد الذي لا يتسبب فائضا فإذا روعي ذلك لم يحتج إلى البحث في مصير البويضات الزائدة.

      أما إذا حصل فائض فترى الأكثرية أن البويضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية من أي نوع ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم وإنه لذلك لا يمتنع إعدامها بأي وسيلة. ويرى البعض أن هذه البويضة الملقحة هي أول أدوار الإنسان الذي كرمه الله تعالى وفيما بين إعدامها أو استعمالها في البحث العلمي أو تركها لشأنها للموت الطبيعي يبدو أن الاختيار الأخير أخفها حرمة إذ ليست فيه عدوان إيجابي على الحياة.

    واتفق الرأي على تحريم استخدام البويضة الملقحة في امرأة أخرى وأنه لا بد من اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البويضة الملقحة في حمل غير مشروع وكذلك تأكيد التوصية الرابعة من ندوة الإنجاب أيضا بشأن التحذير من التجارب التي يراد بها تغيير فطرة الله أو استغلال العلم للشر والفساد والتخريب وتوصي الندوة بوضع الضوابط الشرعية لذلك.

استخدام الأجنة مصدرا لزراعة الأعضاء والتجارب عليها:

      لا يجوز استخدام الأجنة مصدرا للأعضاء المطلوب زرعها في إنسان آخر أو التجارب عليها إلا بضوابط لا بد من توافرها حسب الحالات التالية: 

     لا يجوز إحداث إجهاض من أجل استخدام الجنين لزرع أعضانه في إنسان آخر بل يقتصر على الإجهاض التلقائي أو الإجهاض للعذر الشرعي . 

     إذا كان الجنين قابلا لاستمرار الحياة فينبغي أن يتجه العلاج الطبي إلى استبقاء حياته والمحافظة عليها لا إلى استثماره  لزراعة الأعضاء.

     لا يجوز أن تخضع عمليات زرع الأعضاء للأغراض التجارية على الإطلاق.

     لا بد أن يسند الإشراف على هذه الأمور إلى هيئة معتبرة موثوقة.

     وفي كافة الأحوال يجب احترام جسم الإنسان وتكريمه.

****

 



·        رئيس قسم تاريخ العلوم الطبية – معهد التراث العلمي العربي – جامعة حلب

·        طبيب اختصاصي في جراحة العظام.

·        الأمين العام للجمعية الدولية لتاريخ الطب الإسلامي (www.ishim.net)

·        بريد إلكتروني: a.kaadan@scs-net.org