العلاج بالحجامة في الطب العربي من منظور الطب الحديث

Treatment by Cupping in ُEarly Arabic Medicine from Modern Medicine Prospective

د.عبدالناصركعدان*

Abdul Nasser Kaadan, MD, PhD

 

ملخص البحث

من الملاحظ أننا نشهد حاليا عودة واسعة النطاق إلى ممارسة الحجامة Cupping لعلاج كثير من الأمراض خاصة في قطرنا العربي السوري، مما أدى إلى إثارة جدل واسع بين مختلف الأوساط الطبية حول مدى فعالية هذه الطريقة العلاجية ومحاذيرها في بعض الأحيان، وخاصة بالشكل الذي تمارس به الآن.

يعتبر العلاج باستخدام الحجامة Cupping من أكثر الطرق العلاجية قدما؛ حيث استخدمت من قبل مختلف الشعوب القديمة وعلى نطاق واسع. وكان الأطباء العرب ممن استخدموا هذه الطريقة العلاجية. فقد تكلم الرازي وبالتفصيل عن هذا الموضوع وخصص فصلاً كاملاً تحدث فيه عن الحجامة، وبين فوائده، وطرائق تطبيقه. أما ابن سينا فقد أوضح أن للحجامة بالشرط فوائد ثلاثاً: أولاها الاستفراغ من نفس العضو، وثانيها استنقاء جوهر الروح من غير استفراغ تابع لاستفراغ ما يستفرغ من الأخلاط، وثالثها تركها التعرض للاستفراغ من الأعضاء الرئيسية. وقد بين ابن سينا في نهاية الفصل أنه لا يجوز تطبيق الحجامة على من هم دون السنتين وفوق الستين من العمر. في حين أن الزهراوي قسم الحجامة إلى قسمين أساسيين: الحجامة بالشرط والحجامة الجافة. والأخيرة تستخدم في الأعضاء التي لا تحتمل الشرط عليها كالكبد والطحال والثديين والبطن والسرة وموضع الكلى وحق الورك، والغاية من إجرائها جذب الدم من عضو إلى عضو. وقد أوضح الزهراوي وبالرسم شكل المحاجم وأوضح طريقة تطبيقها.

   هدف هذا البحث هو التعرض بالذكر للمراحل التي مرت به الحجامة كطريقة علاجية على مختلف العصور، ومن ثم التعرض بالذكر للآراء الطبية الحديثة في هذا المجال وتحليلها.


 

مقدمة:

يعتبر العلاج باستخدام الحجامة Cupping من أكثر الطرق العلاجية قدما؛ حيث استخدمت من قبل مختلف الشعوب القديمة وعلى نطاق واسع. فقد استخدمها الآشوريون منذ  عام 3300 ق.م. وتدل النقوش الموجودة على المقابر الفرعونية على أن الفراعنة استخدموا الحجامة لعلاج بعض أمراضهم منذ عام 2200 ق.م. أما في الصين فإن الحجامة مع الإبر الصينية تعتبران أهم ركائز الطب الصيني التقليدي حتى الآن، وكذلك استخدمها الأطباء الإغريق ووصفوا طرق استخداماتها واستطباباتها. وقد عرف العرب القدماء الحجامة، ربما تأثرًا بالمجتمعات المحيطة بهم.

    والحِجَامَةُ Cupping: لغةً تعني المَصّ ، وفي الاصطلاح تعني إخراج الدم من الجسم بتشريط الجلد ، وبهذا تختلف الحجامة عن الفصادة التي تجرى بشق العروق واستنزاف الدم منها.

    وكما ذكرنا فالحجامة طريقة طبية قديمة كانت تستخدم لعلاج كثير من الأمراض، لأن الناس كانوا يجهلون أسباب الأمراض ، وكانت الوسائل العلاجية محدودة جداً، وقد تجرى الحجامة باستخدام العَلَق Leeches  الذي يوضع على الجلد فيمص الدم، وقد تجرى الحجامة أيضاً دون تشريط الجلد، وذلك باستخدام كؤوس فارغة تُسَخَّن من باطنها لخلخلة الهواء وإحداث ضغط سلبي بداخلها، ثم توضع على مناطق مختارة من الجلد فتجذب الدمَ في العروق إلى موضع الحجامة، وهي طريقة تساعد بتخفيف الألم، وتعالج بعض الآفات الموضعية مثل التهاب العضلات  Myositis، والتهاب المفاصل Arthritis ، والرثية المفصلية Rheumatism ونحوها.

    وفي العصر الحديث عاد الاهتمام بمثل هذه الطرق القديمة من العلاج، فيما يعرف بالطب الطبيعي أو الطب البديل الذي أنشئت له في أنحاء متفرقة من العالم عيادات متخصصة أخذ روادها يتزايدون يوماً بعد يوم، وبخاصة بعد اكتشاف الأضرار الجانبية الكثيرة من جراء استعمال الأدوية الكيميائية، ممـا دفع أطباء كثيرين للتخفيف من استعمال هذه الأدوية والتحول عنها إلى المعالجات الطبيعية.

من الملاحظ أننا نشهد حاليا عودة واسعة النطاق إلى ممارسة الحجامة Cupping لعلاج كثير من الأمراض في قطرنا العربي السوري، مما أدى إلى إثارة جدل واسع بين مختلف الأوساط الطبية حول مدى فعالية هذه الطريقة العلاجية ومحاذيرها في بعض الأحيان، وخاصة بالشكل الذي تمارس به الآن. فالهدف من هذا البحث هو التعرض بالذكر لموضوع الحجامة كما ذكرت في المؤلفات الطبية العربية القديمة، ومن ثم التعرض بالذكر للآراء الطبية الحديثة في هذا المجال وتحليلها.

 

الحجامة في الطب النبوي:

    لما جاء الإسلام أقر ممارسة الحجامة؛ فقد مارسها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ففي الصحيحين أن النبي (صلى الله عليه وسلم) احتجم وأعطى الحجَّام أجره، كما أثنى الرسول (صلى الله عليه وسلم) على تلك الممارسة، فقال كما جاء في البخاري: "خير ما تداويتم به الحجامة".  وكان الأطباء العرب ممن استخدموا هذه الطريقة العلاجية.

    الحجامة مع الفصادة أو بغيرها مندوب إليهما في السُّنة النبوية ، لقول النبي (ص) : ( إنَّ أمثلَ ما تَداوَيتُمْ بِهِ الحِجَامَةُ) ، وقوله (ص) : ( إِن كانَ في شيءٍ من أدويتِكُم خيرٌ ففي شَرْطَةِ محجمٍ ، أو شَرْبةِ عَسَلِ ، أو لَدْغَةٍ بنار تُوافِقُ الدَّواءَ ، وما أُحِبُّ أن أكتوي ). وقد بين فقهاء الشريعة الإسلامية أنه  تسري على الحجامة الأحكام العامة التي تسري على التطبيب، فإذا نتج عن الحجامة ضرر بالمحتجم فليس على الحجَّام ضمان إذا راعى أصول الحجامة ولم يتجاوز ما ينبغي، أما إن أخطأ أو تجاوز أو كان جاهلاً بالصنعة فإنه يضمن.
 

وصف الحجامة من خلال المؤلفات الطبية العربية القديمة:

من المعروف أن اكثر الأطباء العرب القدامى كانوا قد تحدثوا عن الحجامة واستطباباتها وطرق إجرائها. فقد تكلم الرازي وبالتفصيل عن هذا الموضوع وخصص فصلاً كاملاً تحدث فيه عن الحجامة، وبين فوائده، وطرائق تطبيقه. أما ابن سينا فقد أوضح أن للحجامة بالشرط فوائد ثلاثاً: أولاها الاستفراغ من نفس العضو، وثانيها استنقاء جوهر الروح من غير استفراغ تابع لاستفراغ ما يستفرغ من الأخلاط، وثالثها تركها التعرض للاستفراغ من الأعضاء الرئيسية. وقد بين ابن سينا في نهاية الفصل أنه لا يجوز تطبيق الحجامة على من هم دون السنتين وفوق الستين من العمر. ولكي نتجنب تكرار ما ذكره الأطباء العرب في هذا المجال فسنذكر مثالا على ذلك ما ذكره الزهراوي في كتابه التصريف لمن عجز عن التأليف، وتحديدا ما ذكره في المقالة الثلاثين من هذا الكتاب، وهي المقالة المتعلقة بالجراحة، وفي فصل تحت عنوان الحجامة وكيفية استعمالها.

يقول الزهراوي: "المحاجم قد تكون من القرون ومن الخشب ومن النحاس ومن الزجاج. والحجامة تكون على وجهين أحدهما الحجامة بالشرط وإخراج الدم، والآخر الحجامة بلا شرط وهذه الحجامة بلا شرط تكون على وجهين إما أن تكون بنار وإما أن تكون بغير نار.

والمحاجم التي تستعمل بالشرط وإخراج الدم لها أربعة عشر موضعاً من الجسم أحدها محاجم النقرة وهو مؤخر الرأس، والكاهل وهو وسط القفاء ومحاجم الأخدعين[1] وهما صفحتا العنق من الجهتين جميعاً، ومحاجم الذقن وهو تحت الفك الأسفل من الفم، ومحاجم الكتفين، ومحاجم العصعص على عجز الذنب، ومحاجم الزندين وهما وسط الذراعين، ومحاجم الساقين، ومحاجم العرقوبين[2].

والحجامة إنما يجتذب الدم من العروق الرقاق المبثوثة في اللحم ومن أجل ذلك لا تسقط القوة إسقاط الفصد ولا ينبغي أن تستعمل الحجامة بنار كانت أو بغير نار في أحد الأمراض التي تكون من الامتلاء حتى يستفرغ البدن كله، فإن دعت الحاجة إلى الحجامة من مرض أو من قبل العادة استعملناها في كل وقت في أول الشهور وفي آخره وفي وسطه وفي أي زمان كان، وذلك أن من الناس من إذا كثر فيه الدم حتى يحتاج إلى إخراجه بالحجامة يجد في رأسه ثقلاً وصداعاً ومنهم من يجد امتلاء وحمرة في وجهه ورأسه ورقبته ومنهم من يجد حكاكاً في وجهه وجبينه وظلمة وأكالاً في عينيه ومنهم من يحك موضع محاجمه ومنهم من يكثر ضحكه ومنهم من يجد طعم الدم في فمه وترم لثاته ويبصق الدم ومنهم من يكثر نومه ومنهم من يرى في نومه الدم والحمرة والقتلى والجراحات وما أشبه ذلك، فمتى رأينا شيئاً من ذلك وبخاصة إن كان في الثلث الأوسط من الشهر أمرنا عند ذلك بالحجامة بعدما يمضي من النهار ساعتان أو ثلاث.

وأما منفعة حجامة النقرة فإنها تنفع من الثقل في الرأس وماء ينصب إلى العينين ولكن ينبغي أن يكون بعد ذلك استفراغ جملة البدن وهذه الحجامة قد تكون عوضاً من فصد القيفال، ويحذر أن يستعملها من كان بارد الدماغ أو كان به نزلة فإنها تضره ضرراً عظيماً، ولذلك لا ينبغي أن يستعملها الشيوخ ومن في رأسه أمراض باردة، ومن أدمن عليها ولّدت عليه النسيان ولذلك ينبغي أن تأمر الحجّام أن ينزل يده بالمحجمة قليلاً إلى أسفل خوفاً من تولد النسيان.

وأما حجامة الكاهل فهي عوض من فصد الأكحل وفصد الباسليق ولذلك تنفع من الربو وضيق النفس وانصداع آلة التنفس والسعال والامتلاء، وينبغي  أن ترفع حجامة الكاهل قليلاً لأنها إن صيرت إلى أسفل ولّدت ضعفاً في القلب والمعدة.

وأما حجامة الأخدعين فتنفع من الأوجاع الحادثة في الرأس والرمد والشقيقة والخناق والتوجع في أصول الأسنان وهي عوض من فصد الباسليق، وينبغي أن تأمر الحجّام أن لا يعمق يده بالشرط لئلا يقطع شرياناً فيحدث النـزف.

وأما الحجامة تحت الدقن فتنفع من القلاع في الفم وفساد اللثة ونحوها من الأمراض التي في الفم وقد تقوم مقام فصد الجهارك[3] التي في الشفتين.

وأما حجامة الكتفين فتنفع من الخفقان الذي يكون من الامتلاء والحرارة.

وأما حجامة بطني الزندين فتنفع مما ينفع فصد العروق الثلاثة الباسليق والأكحل والقيفال لأنها تجتذب الدم من جميع تلك العروق الرقاق التي في اللحم وتجتذب تلك العروق الرقاق من عروق أخر أغلظ منها حتى يبلغ الجذب إلى العروق الغلاظ الثلاثة وينبغي أن تأمر الحجام أن لا يمعن في الشرط لأن الموضع معرّى من اللحم وتحته أعصاب وشريانات.

وأما المحجمة الواحدة التي تحجم على العصعص فإنها تنفع من بواسير المقعدة وقروح الأسفل وينبغي أن تأمر الحجام أن تكون المحجمة كبيرة وأن تكون من نحاس لأن الموضع يحتاج إلى مصّ وربما انكسرت محجمة الزجاج ويشرط شرطاً كثيراً.

وأما محاجم الساقين فتنقص الامتلاء نقصاناً بيناً لأنها تجتذب الدم من جميع الجسم وتنفع من الأوجاع المزمنة في الكلى والأرحام والمثانة وتدرّ الطمث وتنفع من البثور والدماميل وتقوم مقام فصد الصافنين والعرقوبين إلا أنها تنهك البدن كثيراً ويحدث الغشي في أكثر الناس.

ومحاجم العرقوبين منفعتها قريبة من منفعة حجامة الساقين.

كيفية وضع المحاجم وهو أن توضع المحجمة أولاً فارغة وتمص مصاً معتدلاً ولا تطيل وضع المحاجم ولكنك تضعها سريعاً وتنزعها سريعاً لتقبل الأخلاط إلى الموضع إقبالاً مستوياً ولا تزال تكرر ذلك وتواليه حتى ترى الموضع قد احمر وانفتح وظهرت حمرة الدم فحينئذ تشرط وتعاود المص رويداً رويداً ثم تنظر في حال الأبدان، فمن كان من الناس رخص اللحم متخلخل المسام فينبغي أن تشرطه واحدة لا غير لئلا يتقرح الموضع وتأمر الحجّام أن يوسع الشرط ويعمق قليلاً ويعدل المص في رفق وتحريك لطيف، فإن كان في الدم غلظ فينبغي أن يشرط مرتين، أما في المرة الأولى فليفتح طريقاً للطيف الدم ومائيته وأما في الثانية فلاستقصاء إخراج الدم الغليظ، فإن كان الدم عكراً جداً فيكرر الشرط مرة ثالثة ليبلغ الغاية، وبالجملة إذا أردنا أن نخرج دماً قليلاً اكتفينا بشرطة واحدة فإن أردنا إخراج دم كثير شرطنا شرطاً أكثر، وإن قدّرنا أن الدم غليظ فينبغي أن نشرط شرطاً عميقاً والحد المعتدل في الشرط عمق الجلد فقط.

ما ينبغي أن يستعمل من الأدهان عند وضع المحاجم ومن المياه وما يحذره المحتجم، أما من كان جلده غليظاً صلباً قحلاً ومسامه ضيقة فينبغي أن تدهن مواضع المحاجم بأدهان مفتحة ملينة محللة أما إن كان في زمان الصيف فمثل دهن الخيري[4]ّ أو دهن البنفسج[5] أو دهن اللوز الحلو أو دهن حب القرع، وأما إن كان في الشتاء فمثل دهن النرجس أو دهن السوسن أو دهن البابونج أو الزنبق ونحوه، فإن كانت الفضلة غليظة باردة فليكن الدهن دهن المرزنجوش أو دهن النمّام أو دهن البان أو دهن الشبث[6]ّ ونحوها، فإن كان المحتجم واسع المسام غض اللحم فينبغي أن يمتنع الدهن، وهؤلاء ينبغي أن يغسلوا محاجمهم بعد الحجامة بماء الورد أو بماء بارد أو بماء عنب الثعلب أو بماء القرع أو بماء الرجلة ونحوها، وأما إن كان دمه كثير الرطوبة فيغسل محاجمه بالخل أو بماء الآس والسماق ونحوها، وأما من كانت فضوله غليظة فيغسل محاجمه بالشراب العتيق أو بماء المرزنجوش أو طبيخ الشبثّ أو البابونج ونحوها، وينبغي أن تحذر الحجامة في الحمام وفي أثر الحمام بل ينبغي أن تستعمل بعد الخروج من الحمام بساعة أو ساعتين ولا ينبغي أن ينام أحد بعد الحجامة.

ما ينبغي أن يدبر به المحتجم والمفتصد قبل الحجامة وبعدها، يجب أن تنظر أولاً فإن كان المحتجم أو المفتصد صفراوياُ والغالب على دمه الحدّة والالتهاب فينبغي أن يأخذ المبردات كالرمان والهندباء بالخل والخسّ والسكنجبين والجلاب ونحوها ويجعل أطعمته الفراريج ولحوم الضأن سكباجات والحصرميات ونحوها، ومن كان مزاجه بارداً فينبغي أن يسقى شراب العسل وشراب الميبة أو السكنجبين البزوريّ ويتناول النبيذ العطري المتوسط الذي هو فيما بين القديم والحديث ويؤمر بقلة الغذاء ويجعل غذاءه الفراريج والقنابر والعصافير وفراخ الحمام، وينبغي أن يكون الشراب يوم الحجامة والفصد أكثر من الطعام، وقد ينبغي أن يسقى في بعض الأوقات لبعض الناس من الترياق الفاروق أو دواء المسك أو الشيلثا قبل الحجامة وقبل الفصد أو بعده لتقوي الأعضاء الرئيسية وترقق الدم ولا ينبغي أن يسقاه المحرورون.

وأما المحاجم التي تكون بلا شرط فهي المحاجم التي توضع على الكبد والطحال والثديين وعلى البطن والسرة وموضع الكلى وحق الورك[7] لأن هذه الأعضاء لا تحتمل الشرط عليها.

وإنما يراد بها إما جذب الدم من عضو إلى عضو كوضعنا المحجمة على الثديين في علة الرعاف أو نستعملها لنحل عن العضو ريحاً بارداً قد لحج في العضو كوضعنا المحجمة على البطن والسرة فإنها تخلخل العضو وتسخنه وتذهب بالوجع لتحليلها ذلك الريح، وقد توضع على الكلى إذا عرض فيها سدة أو حصى فبقوة جذبها ربما فتحت السدة أو قلعت الحصى من موضعها، وكذلك تفعل إذا وضعت على الكبد والطحال عند ريح يرتبك فيهما، وهذه المحاجم قد تستعمل فارغة بالمصّ فقط وقد تستعمل بالنار وقد تستعمل مملوءة بالماء الفاتر في علل الشوصة[8] وذلك أن تملأ المحجمة ولتكن كبيرة بالماء الحارّ وحده أو بماء قد طبخ فيه بعض الحشائش التي تصلح لذلك، ثم توضع مملوءة على الموضع وتمسك وتزال وتعاد مرّات على قدر الحاجة.

 

 

 

 


وهذه صورة المحجمة التي تستعمل بالنار:

 

 

 

تكون سعة فمها أصبعين مفتوحين على ما صوّرنا وقدرها في العمق نصف شبر ويكون في جنبها في نحو النصف منها ثقبة صغيرة على قدر ما تدخله الإبرة تصنع من النحاس الصيني أو النحاس الأصفر غليظة الحاشية ملساء مستوية مجلوة لئلا تؤذي العضو عند وضعها عليه، ويكون في وسطها قضيب معترض من نحاس أو حديد حيث توضع الشمعة بالنار، وقد تصنع هذه المحجمة كبيرة أكبر مما وصفنا وصغيرة على حسب الأمراض وسن مستعملها فإن محاجم الصبيان والنحفاء غير محاجم الرجال وعبل[9] الأجسام.

 

 

 


وأما كيفية وضع هذه المحجمة بالنار على العضو فهو أن تقد فتيلة بالنار من كتان محكمة أو شمعة صغيرة من قير وتضعها على وسط القضيب المصلب الذي في وسط المحجمة ليكون صعود النار إلى فوق نحو أسفل المحجمة لئلا يحترق بدن العليل ثم توضع على العضو والإصبع على الثقب الذي ذكرنا حتى إذا أمسكنا المحجمة ما احتجنا نزعت الأصبع وخرج البخار على ذلك الثقب وانحلت المحجمة على المقام، ثم تقد الفتيلة على الصفة وتعيدها إن احتجت إلى ذلك، فأما المحجمة التي تستعمل في مرض الشوصة بالماء فليس فيها قضيب مصلب ولا ثقب وإنما تستعمل بأن تملأ بالماء وتوضع على العضو فقط، وهذه صورتها:

 

وهذه المحجمة كلما كانت كبيرة لتسع ماء كثيراً كانت أفضل[10]".
 

الحجامة من المنظور الطبي الحديث:

 مثَّلت الحجامة جزءاً أساسيًّا من الممارسات الطبية التقليدية للعديد من المجتمعات العالمية، إلا أنه بعد أن استشرى الطب الغربي في بلاد العالم أجمع، تراجعت تلك النظم والممارسات الطبية التقليدية إلى الظل، فظلت بقايا هنا وهناك  كممارسة تقليدية غير رسمية، وفي الصين ومجتمعات شرق آسيا كجزء من المحافظة على التراث الطبي التقليدي. وظل الأمر كذلك حتى سنوات قليلة ماضية، وخاصة بعدما فشل الطب الحديث في علاج العديد من الأمراض، وبعد أن تم اكتشاف العديد من التأثيرات الجانبية للعديد من الأدوية الكيميائية، فقد بدأت تنتشر العديد من ممارسات الطب التقليدي أو ما يسمى بالطب البديل مرة أخرى في دول الغرب والشرق هنا وهناك.

لقد بدأت الحجامة تدخل إلى مجتمعاتنا، مثلما دخلت إلى المجتمعات الغربية، فقد أصبحت تمارس كنوع من العلاج بالطب البديل، ويتم تعليمها وتصدر عنها الكتب وينشر عنها على صفحات الإنترنت كجزء من حركة الطب البديل.

في الحقيقة لم تدخل الحجامة حتى الآن في الكتب المدرسية الطبية الحديثة كطريقة علاجية يمكن لها أن تشفي بعض الأمراض. وقبل المضي قدما في ممارسة هذه الطريقة لا بد من توفر الدراسات عنها وذلك وفق المعايير العلمية الحديثة.

***

 

 

 

 


 

* طبيب استشاري في الجراحة العظمية

دكتوراه في تاريخ الطب العربي الإسلامي

أستاذ ورئيس قسم تاريخ الطب - جامعة حلب

الأمين العام للجمعية الدولية لتاريخ الطب الإسلامي www.ishim.net

هاتف محمول: 300030 94 963،  فاكس: 2236526 21 963

ص ب: 7581

حلب - سوريا

بريد إلكتروني: a.kaadan@scs-net.org



 

الحواشي والتعليقات:

 

[1] ) الأخدع: عرق في المحجمتين، وهو شعبة من الوريد، جمع أخادع والمخدوع من قطع أخدعه.

(القاموس المحيط، ج2،ص17).

 

[2] ) العرقوب: هو ما يعرف اليوم بوتر أشيل. (المعجم الطبي الموحد، ص8).

 

 [3]) الجهارك: هي عروق في الشفتين تفتصد في بعض علل الدم.

 

[4]) دهن الخيري: يستخرج من نبات معروف له زهر أصفر وأبيض، يفيد في الشفاء من الأورام الحادثة في الأرحام إذا نطلّ عليها. (المعتمد في الأدوية المفردة، ص144).

 

[5] ) دهن البنفسج: إذا ضمد به سكن الأورام الحادة، ويبرّد وينفع من التهاب المعدة، والأورام الحارة في العين. (المعتمد في الأدوية المفردة، ص35-36).

 

[6] ) هذه الدهونات المذكورة كانت معروفة في ذلك الوقت ولها استخدامات واسعة. (القانون
في الطب، ج3، المقالة العاشرة في الأدهان، ص396-404).

 

[7] ) حق الورك: هو ما يعرف حالياً بالجوف الحقي A cetabulum.

 

[8] ) الشوصة: هو ورم الحجاب الفاصل بين الصدر والبطن، وقد يسمى به ورم الجنب كله
المسمى ذات الجنب، وكأنهما في أكثر العبارات مترادفان.

 

[9] ) العبل: الضخم من كل شيء. (القاموس المحيط، ج4،ص11)، وهنا بمعنى ضخام الأجسام.

 

.Albucasis, p.657-673) [10]