الطبيب الأندلسي أبو القاسم الزهراوي أشهر جراحي القرون الوسطى

الدكتور عبد الناصر كعدان*


الزهراوي حياته وسيرته:

    الزهراوي هو خلف بن عباس أبو القاسم الزهراوي، ويفترض أكثر الباحثين أن الزهراوي ولد إما في سنة إنشاء مدينة الزهراء (325 هـ/936 م) أو بعدها بقليل. كما لا توجد معلومات عن والد الزهراوي، وفي المقالة السابعة عشرة من كتاب التصريف إشارة إلى كون والده من الأوساط المتنفذة والمقربة إلى الحكم. وهناك بعض النسخ المخطوطة لكتاب التصريف أضيف إلى اسم الزهراوي (الأنصاري المتطبب)، مما يرجح أن أسلاف الزهراوي هم من المدينة المنورة ومن الأنصار تحديدا. ويرى بروكلمان أن الزهراوي قد عاش ومارس مهنته في قرطبة، إلا أن الزهراوي يتحدث في المقالة الثانية من كتابه عن رجل يعرفه قائلا: "وكان عندنا بالزهراء… " وهذا يدل أن أبا القاسم كان يعتبر الزهراء مكانا رئيسيا لإقامته ، وتعتبر الزهراء في ذلك الوقت ضاحية من ضواحي قرطبة .

    من المعروف بأن الزهراوي عندما فرغ من تأليف كتابه  التصريف لمن عجز عن التأليف كان قد مضى على مزاولته الطب والجراحة خمسون عاما من حياته المهنية، وهذا ما ذكره هو في خطبة كتابه التصريف: " ... وكل ما جربته وامتحنته  طول عمري منذ خمسين سنة". من ذلك يفترض أن الزهراوي قد عاش أكثر من سبعين عاما، وخاصة أن الحميدي قد ذكر في جذوة المقتبس أن الزهراوي قد توفي بعد عام (400 هـ / 1009 م).

    تدل القرائن على أن الزهراوي بدأ يزاول مهنة الطب أيام الخليفة عبد الرحمن الثالث والملقب بالناصر ( 300-350 هـ / 912–961 م)، وأنه أدرك عصر الحكم المستنصر (350–366 هـ / 961–976 م)   وهشام المؤيد بالله (366-399 هـ / 976–1009م). وفي الحقيقة فإنه لا تتوفر أية معلومات عن نشاط الزهراوي العلمي بوصفه طبيبا جراحا، ويعده بعض البحاثة طبيبا عمل في قصر الخليفة عبد الرحمن الثالث، وبعضهم يعتقد أنه عمل في قصر الحكم المستنصر، وفئة ثالثة تشير إلى أنه عمل في قصر كلا الخليفتين. وفي الواقع لا نستطيع أن نثبت أنه قد انتظم في خدمة أحد من هؤلاء الخلفاء، وخاصة ما ذكره الزهراوي في خطبة كتاب التصريف من أنه لم يكن من أهل الثراء، إذ يؤكد أن ليس له "فضل مال" يورثه أبناءه الذين ألف لهم كتابه وجعله لهم كنزا وذخرا، وكان من شأن الأطباء الذين يخدمون ذوي السلطان والجاه أن يجمعوا من ذلك ثروة طائلة كما يخبرنا مؤرخو العلوم الأندلسيين. ومن ناحية أخرى فهو لم يهد كتابه إلى أحد من هؤلاء الخلفاء بل وقفه لبنيه.

    يحدد الحسن بن محمد الوزان تاريخا لوفاة الزهراوي سنة (404 هـ ) وهي سنة هدم مدينة الزهراء من قبل البرابرة. وعلى أساس هذه المعلومات نستنتج أن الزهراوي توفي بين ( 400 و 404 هـ ). أما في المشرق العربي فقد ذكر ابن أبي أصيبعة الزهراوي بقوله: "كان طبيبا خبيرا بالأدوية بالمفردة والمركبة جيد العلاج، وله تصانيف مشهورة في صناعة الطب وأفضلها كتابه الكبير المعروف بالزهراوي، ولخلف بن عبـاس الزهراوي من الكتب كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، وهو أكبر تصانيفه وأشهرها، وهو كتاب تام في معناه.

    من المرجح أن الزهراوي لم يؤلف من الكتب غير كتاب التصريف. وما ذكره ابن أبي أصيبعة عن الزهراوي يوحي بأن له كتابين ، ومرد ذلك هو اتساع كتاب التصريف وتعدد مقالاته مما ظن بعضهم أنه أكثر من كتاب، والكلام نفسه ينطبق على ابن عبدون عندما ذكر في "عمدة الطبيب" كتابا آخر للزهراوي سماه "ترجمة العقاقير"، وقد يكون المقصود بهذا هو المقالة المتعلقة بالأدوية المفردة في كتاب التصريف.

    ومهما يكن من أمر فإن المؤلف الوحيد الذي خلفه الزهراوي ووصل إلينا كاملا هو "كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف". وقد وقع بعض اللبس في فهم المعنى الذي قصده المؤلف في هذه التسمية، ولو أننا رجعنا إلى ما قاله الزهراوي في خطبة الكتاب لارتفع اللبس ووضح القصد، يقول:"وسميته بكتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، وإنما سميته بـذلك لكثرة تصرفه بين يدي الطبيب وكثرة حاجته إليه في كل الأوقات، وليجد فيه من جميع الصفات، ما يغنيه عن التأليف". والمقصود أن الزهراوي الذي ألف هذا الكتاب لبنيه قبل غيرهم أراده أن يكون في متناول المشتغلين بالطب يرجعون إليه عند الحاجة، ويأخذون منه ما شاؤوا من صفات الأدوية وطرق العلاج.

 

مكانة الزهراوي:

    أما عن مكانة الزهراوي فقد لخص الطبيب الفرنسي لوسيان لوكليرك مكانة الزهراوي في تطور الطب العالمي بقوله "يعد أبو القاسم في تاريخ الطب أسمى تعبير عن علم الجراحة عند العرب ، وهو أيضا أكثر المراجع ذكرا عند الجراحين في العصر  الوسيط". ثم قال: "وقد احتل الزهراوي في معاهد فرنسا مكانة بين أبقراط وجالينوس فأصبح من أركان هذا الثالوث العلمي" .

    ولوكليرك إنما يؤكد بهذا القول الأخير ما سبق أن ردده ركسيوس  Riccius في القرن الخامس عشر الميلادي. ويعد لوكليرك أحد المتخصصين في دراسة الزهراوي، فهو الذي ترحم إلى الفرنسية مقالته في الجراحة، وكتب عنه في كتابه "تاريخ الطب العربي" الذي أصدره عام 1876م نحو عشرين صفحة ضمنها معلـومات مفيدة عن هـذا الجراح الأندلسي ولا سيما عن الترجمات اللاتينية والعبرية لكتاب التصريف.

 

كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف:

لقد قسّم الزهراوي كتابه التصريف لمن عجز عن التأليف إلى ثلاثين مقالة متفاوتة في الطول والقصر، أطولها المقالة الأولى، وهي تبحث في كليات الطب، ويليها في الطول المقالة الثلاثون في العمل باليد (أي الكي والجراحة العامة وجبر العظام).

وما يهمنا في هذا البحث المقالة الثلاثين وبالضبط الباب الثاني منها وهي التي تبحث في الشق والبط (الجراحة)، وهذا الباب هو الذي سيكون موضوعنا.

إن أول من ترجم المقالة الثلاثين لكتاب التصريف هو جيرارد الكريموني الذي ترجمها إلى اللغة اللاتينية وذلك في مدينة طليطلة في النصف الثاني من القرن الثاني عشر. وعن طريق هذه الترجمة اشتهر الزهراوي وأصبح معروفاً من قبل الأطباء الغربيين كأفضل جراحي العصور الوسطى. وتوجد في مكتبة مونبلييه في فرنسا ترجمة عبرية للمقالة الثلاثين مع رسوم للأدوات الجراحية. وفي القرن الرابع عشر نشر الجراح الفرنسي الشهير غي دي شولياك Guy de Chauliac كتابه المسمى "الجراحة الكبرى" باللغة اللاتينية وذلك عام 1363م. وقد استشهد بالزهراوي أكثر من مائتي مرة. وقد بقي هذا الكتاب أهم وأشهر مرجع في الجراحة لعدة قرون.

لقد تم لأول مرة طبع المقالة الثلاثين لكتاب التصريف في فيينا بإيطاليا عام 1471م. وقد تبعها طبعات أخرى في المدينة نفسها. ثم ظهرت حوالي عشرون طبعة أخرى في القرن السادس عشر في مدن أوروبية عديدة مثل طبعة بيترو أو جيلاتا عام 1531م. وفي عام 1778م قام جاهانيس نشانج بنشر النص العربي مع ترجمته باللاتينية في مجلدين في أكسفورد بإنكلترا. وفي عام 1861م قام الطبيب الفرنسي الشهير لوسيان لوكليرك بترجمة المقالة الثلاثين إلى اللغة الفرنسية.

 طبعت المقالة الثلاثون لأول مرة باللغة العربية عام 1908م في مطبعة النامي ببلدة لكنؤ وذلك لإفادة مدرسة تكميل الطب التي كانت هي الوحيدة في العالم للطب اليوناني. وفي عام 1973 نشر معهد ولكم لتاريخ الطب في لندن النص العربي للمقالة الثلاثين مع ترجمته إلى اللغة الانكليزية. وأخيراً في عام 1983 تم نشر الترجمة الروسية للمقالة الثلاثين. ومما يجدر ذكره أن كتاب التصريف بكامله لم ينشر بعد ترجمةً ولا تحقيقاً كاملاً بأي لغة ما.

تعد المقالة الثلاثون لكتاب التصريف هي ثاني أطول مقامة بعد المقالة الأولى. وصدّر الزهراوي هذه المقالة بمقدمة هامة جداً،  حيث يقرّ الزهراوي بأنه يوجد العديد من الأطباء ممن يمارس الجراحة في زمانه، إلا أنهم لم يحسنوا الصنعة ووقعوا في أخطاء كثيرة حيث أنك لا تجد البتة من يجيد العمل باليد في ذلك العصر. وقد سمّى الزهراوي عمله في تأليف هذه المقالة في الجراحة عملية إحياء لتراث علمي قديم كاد أن يُدرس.

 من ذلك يمكن الاستنتاج بأن الزهراوي لم يعتمد في تأليفه لهذه المقالة فقط على ما كتبه الرازي وابن الجزار وابن جلجل وغيرهم من الأطباء العرب، بل اعتمد أيضاً على ما تكلم به جالينوس وأبقراط وبولس وغيرهم من أطباء اليونان، وفي هذا دور لا ينكر من حفظ للتراث اليوناني من الضياع.

من خلال هذه المقدمة أيضا ألحّ الزهراوي على ضرورة تعلم علم التشريح بكل دقائقه وذلك لمن أراد أن يعمل بالجراحة. ويحذّر من أنه من لم يكن عالماً في التشريح لم يخل أن يقع في خطأ يقتل الناس به. والزهراوي هنا ينصح بضرورة تعلم التشريح على النحو الذي وصفه جالينوس، أي أنه لم يصرح بضرورة ممارسة التشريح وهذه نقطة أرى أنه من الضروري الوقوف عندها.

بعد أن تحدث الزهراوي في الباب الأول من المقالة الثلاثين عن الكي بالنار وبالدواء الحاد انتقل إلى الباب الثاني والذي هو يمثل جراحة الزهراوي. وقد ابتدأ هذا الباب بمقدمة أعاد وأكد فيها ضرورة أن يتجنب الطبيب الغرر في الجراحة، حيث يكرر الزهراوي وصيته بضرورة تجنب الغرر في القيام بالجراحة بدون ترو أو حذر مهما كانت المغريات من مال أو غيره، وهو يوصي بأن يكون الحذر في الجراحة اشد من الرغبة فيها والحرص عليها. ولما تمتاز هذه المقدمة من أهمية قصوى أود أن أوردها كاملة في هذا الملخص.

يقول الزهراوي: "قال خلف قد ذكرنا في الباب الأول كل مرض يصلح فيه الكي بالنار والدواء المحرق وعلله وأسبابه وآلاته وصور المكاوي، وجعلت ذلك فصولاً من القرن إلى القدم. وأنا اسلك في هذا الباب ذلك المسلك بعينه ليسهل على الطالب مطلوبه، وقبل أن أبدأ بذلك ينبغي أن تعلموا يا بني أن هذا الباب فيه من الغرر فوق ما في الباب الأول في الكي. ومن أجل ذلك ينبغي أن يكون التحذير فيه أشد لأن العمل في هذا الباب كثيراً ما يقع فيه الاستفراغ من الدم الذي به تقدم الحياة عند فتح عرق أو شق على ورم أو بط خراج أو علاج جراحة أو إخراج سهم أو شق على حصاة ونحو ذلك مما يصحب كلها الغرر والخوف ويقع في أكثرها الموت، وأنا أوصيكم عن الوقوع فيما فيه الشبهة عليكم فإنه قد يقع إليكم في هذه الصناعة صنوف من الناس بضروب من الأسقام فمنهم من قد ضجر بمرضه وهان عليه الموت لشدة ما يجد من سقمه وطول بليته وبالمرض من التقرر ما يدل على الموت، ومنهم من يبذل لكم ماله ويغنيكم به رجاء الصحة ومرضه قتال، فلا ينبغي أن تساعدوا من أتاكم ممن هذه صفته البتة، وليكن حذركم أشد من رغبتكم وحرصكم، ولا تقدموا على شيء من ذلك إلا بعد علم يقين يصبح عندكم بما يصير إليه العاقبة المحمودة، واستعملوا في جميع علاج مرضاكم تقدمة المعرفة والإنذار بما تؤول إليه السلامة فإن لكم في ذلك عوناً على اكتساب الثناء والمجد والذكر والحمد، ألهمكم الله يا بني رشده ولا حرمكم الصواب والتوفيق إن ذلك بيده لا إله إلا هو، وقد رتبت هذا الباب فصولاً على ما تقدم في باب الكي من القرن إلى القدم ليخف عليكم مطلب ما تريدون منه إن شاء الله".

 

أهم الإنجازات الجراحية للزهراوي:    

   لعل أهم ما يتميز به الزهراوي كجراح فذ الأدوات الجراحية التي وصفها واستخدمها لمختلف أنواع الجراحات، ومنها الجراحة البولية كالقثاطر والمحاقن ووسائل تفتيت الحصاة، ووصف أدوات أخرى تفيد في عمليات الجراحة العامة. وقد وصف أدوات تفيد في الجراحة العظمية كالمثاقب بأنواعها والمناشير والمبعدات العظمية المختلفة. وقد وصف بعض الأدوات المصنوعة من الخشب والتي تستخدم من أجل رد الكسور العظمية.

    وتدل بعض القرائن على أن الزهراوي هو الذي ابتكر معظم ما كان يستعمله من أدوات كما تدل على أن ما كان منها معروفا فقد أدخل عليه تحسينات كثيرة وطوعه للاستعمال الجراحي، وجرب فاعليته بنفسه عمليا، وقد شرح في كثير من الأحيان منفعة الآلات التي صور أشكالها، وبين المادة التي تستعمل في صنعها وطريقة استخدامها واكتفى في بعض الأحيان بذكر اسم الآلة التي يتعين الاستعانة بها دون أية تفاصيل أخرى .

من خلال استعراض الفصول الجراحية التي تحدث فيها الزهراوي في كتابه التصريف لمن عجز عن التأليف يمكن أن نتبين مدى المهارة الجراحية التي تمتع بها اشهر جراحي القرون الوسطى. وهذه المهارة الجراحية لم تتولد إلا نتيجة الممارسة الفعلية والعملية لأكثر هذه العمليات الجراحية والتي وصف كثيراً منها بدقة متناهية حيث لا يمكن لهذا الوصف أن يتأتى فقط من مجرد ترجمة النصوص الطبية للأطباء القدامى كما يدعيه بعض من مؤرخي الطب الغربيين.

ولدى مقارنة ما كتبه الزهراوي عن العلاجات الجراحية لكثير من الأمراض مع ما كتبه غيره من الأطباء العرب كالرازي وابن سينا يمكن أن نتبين التفوق الواضح في مجال الممارسة الجراحية والنصائح العملية التي يوجهها الزهراوي لمن يتصدى لممارسة الجراحة " أو العمل باليد كما كانت تسمى وقتئذ".

لقد نصح الزهراوي باللجوء لربط الأوعية الدموية كوسيلة لإيقاف النـزف وذلك قبل Ambroise Pare بعدة قرون. وفي مجال الجراحة العينية تحدث  عن كثير من الجراحات العينية التي ما زالت معروفة حتى اليوم، حين تحدّث مثلاً عن شتر الجفن العلوي وشتر الجفن السفلي والظفرة والسبل وجحوظ العين والساد، ووصف العلاج الجراحي لكل هذه الحالات مع وصف الأدوات اللازمة لإجراء مثل هذه العمليات، وهذا أهم ما ميّز الزهراوي عن غيره من الأطباء القدامى.

وفي جراحة الأذن والأنف والحنجرة تحدث عن أورام الفم بما فيها ما يعرف اليوم بالضفيدعة، بالإضافة إلى أورام اللوزتين واللهاة وأورام الأنف وجروح الأنف والشفة، والطريقة التي نصح بها لعلاج جروح الشفة، التي حدث فيها تفرق اتصال شفتي الجرح، لا تختلف عما نجريه اليوم وذلك عندما أوضح ضرورة تسليخ كل شق عن جلده الظاهر ثم جمع الشقين بالخياطة. وقد وصف ما يعرف اليوم بمقصلة اللوزة Tonsilguillotine، كما تحدث عن كيفية استخراج الأجسام الأجنبية الساقطة في الأذن.

في مجال طب الأسنان تكلم الزهراوي على جرد الأسنان وطريقة قلع الأسنان بالإضافة إلى قلع أصول الأضراس وإخراج عظام الفكوك المكسورة، كما وضح كيفية نشر الأضراس النابتة على غيرها.

وفي مجال الجراحة العامة تحدث عن كثير من الحالات الجراحية والمعروفة في الوقت الحاضر، فقد خصص فصلاً للحديث عن مبادئ جراحة الأورام وشقها وفصلاً آخر خصصه للحديث عن الآلات التي يستخدمها الجراح في العمليات الجراحية مبيناً وبالرسم شكل هذه الأدوات وشرح طريقة استعمالها وتحدث عن علاج التثدي عند الذكور وعن فتوق السرة وعن علاج الأورام السرطانية. وفي مجال شق الأورام يشير الزهراوي إلى حقيقة لا زال لها أهميتها في وقتنا الحاضر، وهي أنه في الأورام الحاوية على القيح (أي الخراجات) يجب عدم شقها إلا بد أن تنضج، في حين أنه في الأورام التي تكون قرب المفاصل (والتي هي ما يعرف اليوم بالتهاب العظم والنقي) فيجب أن تشق ودون انتظار، وذلك خشية فساد المفصل.

في مجال الجراحة البولية كان الزهراوي مبدعاً في معالجة الكثير من الحالات الجراحية البولية، فقد وصف طريقة إجراء الختان بدقة متناهية مع ذكر الأخطاء التي يمكن أن تحدث أثناء ذلك. كما تحدث عن طريقة إجراء قثطرة المثانة وحقنها باستخدام الزراقة، وقد تكلم في فصل خاص على حصيات المثانة وطريقة استخراجها وتفتيتها عند الذكور والإناث، كما تحدث عن علاج الخنثى من الذكور والخنثى من الإناث بالإضافة إلى حديثه عن الفتوق المغبنية ودوالي الحبل المنوي وعلاجها الجراحي، كما تحدث الزهراوي في مجال الجراحة النسائية والتوليد فتكلم عن بوليبات عنق الرحم وعن أورام المهبل وعلاج حالة عدم إنثقاب غشاء البكارة (الرتقاء) جراحياً، بالإضافة لذلك فقد تحدث عن كيفية الولادة الطبيعية والولادات غير الطبيعية، كما فصّل في طريقة إجراء تفتيت الجنين واستخراجه خارج الرحم في حال وفاته ضمن الرحم مبيناً صور الآلات والأدوات اللازمة لاستخراج الجنين وخصص فصلاً للحديث عن إخراج المشيمة وعلاج عدم إنثقاب الشرج عند المواليد الجدد.

عندما تحدث الزهراوي عن جروح البطن وإصابة الأمعاء وطريقة إجراء خياطتها، أشار إلى ما يعرف اليوم بوضعية ترندلمبورغ Trendelenburg والتي كثير ما تستخدم اليوم في بعض الإجراءات الطبية.

وهكذا لاحظنا كيف أن الزهراوي تطرق بالحديث عن أكثر الأمراض الجراحية المعروفة في عصره، وركز اهتمامه في آخر المطاف للحديث عن طريقة إخراج السهام من الجسم لما كان لهذه الإصابات من أهمية في ذلك الوقت خاصة أثناء الحروب. وقد تبين من خلال كل ما ذكره الزهراوي عن ذلك مدى البراعة التي تمتع بها هذا الجرح العظيم حتى سمي بحق أحد أساطين الطب العربي وأبا الجراحة عند العرب، بل أشهر جراحي العصور الوسطى في العالم كله.

 

المصادر والمراجع :
 

أولاً- العربية :

- ابن أبي أصيبعة، أحمد بن القاسم. عيون الأنباء في طبقات الأطباء، دار مكتبة الحياة، بيروت.

- ابن بشكوال، الصلة في تاريخ أئمة الأندلس وعلمائهم ومحدثيهم وفقهائهم وأدبائهم، جزءان، طبع مجريط.

- ابن سينا، الحسين بن علي. القانون في الطب، دار صادر، بيروت، ثلاثة أجزاء.

- أبو حرب، محمد خير. المعجم المدرسي، 1985، الطبعة الأولى، وزارة التربية، الجمهورية العربية السورية.

- د.بركات، منذر. محاضرات في الجراحة العصبية، 1978، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، جامعة حلب.

- التركماني، يوسف بن عمر. المعتمد في الأدوية المفردة، 1982، دار المعرفة، بيروت.

- د.الحسن، خالد. د.عموري، عبد الوهاب. أمراض العيون، 1983، منشورات جامعة حلب.

- الحلبي، خليفة بن أبي المحاسن. الكافي في الكحل، تحقيق د.محمد ظافر وفائي، د.محمد رواس قلعةجي، 1990، منشورات المنطقة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، الدار البيضاء.

- د.حمامي، عبد الرزاق والمجموعة. الأمراض النسائية، 1982، منشورات جامعة حلب، كلية الطب.

- الحميدي، جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، طبع مصر، 1952.

- الخياط، محمد هيثم والمجموعة. المعجم الطبي الموحد، 1983، ط3، ميدليفانت- سويسرا.

- الرازي، أبو بكر. التقسيم والتشجير، تحقيق وترجمة د.صبحي محمود حمامي، 1992، منشورات معهد التراث العلمي العربي، جامعة حلب.

- الرازي، أبو بكر. الحاوي، 1962، ط1، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد، الدكن، الهند، ثلاثون جزءاً.

- د.السيد، صلاح الدين. الوجيز في أمراض الأذن والأنف والحنجرة، 1986، منشورات جامعة حلب، كلية الطب.

- د.شحادة، عبد الكريم. أمراض الجلد، الجزء الأول، 1982، منشورات جامعة حلب، كلية الطب.

- د.عباس، عبد الحي. الوجيز في أمراض الأذن والأنف والحنجرة، 1985، مطبعة الجاحظ، دمشق.

- د.عبد الجبار، عبد القادر. الجراحة الرضية، 1981، منشورات جامعة حلب، كلية الطب.

- د.عبد الجبار، عبد القادر. د.داية، محمد صبحي. الجراحة الوعائية المحيطية، 1982، منشورات جامعة حلب، كلية الطب.

- العربي الخطابي، محمد. الطب والأطباء في الأندلس الإسلامية، جزآن، 1988، دار الغرب الإسلامي، بيروت.

- د.العطار، محمد أديب. د.نحاس، وليد. موجز أمراض الجهاز البولي والجهاز التناسلي عند الذكور، 1978، مطبعة جامعة دمشق، دمشق.

- الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب. القاموس المحيط، أربعة أجزاء، دار الجيل، بيروت.

- د.قطاية، سلمان. الوجيز في علم أمراض الأذن، 1976، منشورات جامعة حلب، كلية الطب.

- د.كعدان، عبد الناصر. علاج الكسور عند الأطباء العرب، 1990، دار القلم العربي، حلب، سوريا.

- د.كعدان، عبد الناصر. طب الخلوع عند الزهراوي، 1992، من أبحاث الندوة العالمية الخامسة لتاريخ العلوم عند العرب المنعقدة في غرناطة، إسبانيا.

- د.كعدان، عبد الناصر. علاج الجراحات عند الزهراوي، 1990، من أبحاث المؤتمر السنوي الرابع عشر لتاريخ العلوم عند العرب المنعقد في إدلب، سوريا.

- د.كعدان، عبد الناصر. طب الكسور عند الرازي، 1992، من أبحاث المؤتمر العالمي لتاريخ الطب الإسلامي والإيراني المنعقد في طهران، إيران.

- د.كعدان، عبد الناصر. أضواء على تشريح العظام كما وردت في المؤلفات الطبية العربية القديمة، 1991، من أبحاث المؤتمر السنوي الخامس عشر لتاريخ العلوم عند العرب المنعقد في الرقة، سوريا.

- د.نحاس، وليد. الجراحة الصغرى، 1977، المطبعة التعاونية، دمشق.

- د.وفائي، محمد ظافر. أبو القاسم الزهراوي وتأثيره في جراحة العيون، 1983، من أبحاث مؤتمر الطب الإسلامي في الكويت.

 

ثانيا- الأجنبية:

 

-         Bailey and Love’s Short Practice of Surgery. 20th edn. Revised by A. J. H. Rains and H. D. Ritchie. 1987.

-         Benson R. C. et al. Current Obstetric and Gynecologic Diagnosis and Treatment. 3rd edn. 1980.

-         Dunphy J. E. and Way L. W. Current Surgical Diagnosis and Treatment. 5th edn. 1981.

-         Garry M. M. et al. Obstetric illustrated. 3rd edn. 1980.

-         Hamarneh S. K. and Sonnedecker G. A Pharmaceutical View of Albucasis al-Zahrawi in Moorish Spain. Leiden, 1963.

-         Harrison’s Principles of Internal Medicine. 9th edn. 1980. I. S. E. edn.

-         Krupp M. A. et al. Current Medical Diagnosis and Treatment. 1982.

-         Merck Manual of Diagnosis and Therapy. 12th edn. 1972.

-         Schwartz S. I. Et al. Principles of Surgery. 3rd edn. 1979.

-         Spink M. S. and Lewis G. L. Albucasis on Surgery and Instruments, the Wellcome Institute of the History of Medicine, London, 1973.

 

 

***

 



*  طبيب استشاري في الجراحة العظمية

دكتوراه في تاريخ الطب العربي الإسلامي

أستاذ ورئيس قسم تاريخ الطب - جامعة حلب

الأمين العام للجمعية الدولية لتاريخ الطب الإسلامي www.ishim.net

هاتف محمول: 300030 94 963،  فاكس: 2236526 21 963

ص ب: 7581

حلب - سوريا

بريد إلكتروني: a.kaadan@scs-net.org